الخبر يجوز نسخه بالاتفاق كما يدل عليه كلام العضد وغيره وبعض من ادعى أن الآية محكمة وتوقف فى قبول هذا الجواب ذهب إلى أن المراد من النسخ البيان وإيضاح المراد مجازا كما مرت الإشارة اليه عند قوله تعالى : فاعفوا واصفحوا كأنه قيل : كيف يحمل ما فى أنفسكم على ما يعم الوساوس الضرورية وهو يستلزم التكليف بما ليس فى الوسع والله لا يكلف نفسا إلا وسعها واعترض هذا بانه على بعده يستلزم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أقر الصحابة على ما فهموه وهو بمعزل عن مراد الله تعالى ولم يبينه لهم مع ما هم فيه من الاضطراب والوجل الذى جثوا بسببه على الركب حتى نزلت الآية الأخرى ويمكن أن يجاب على بعد بأنه لا محذور فى هذا اللازم ويلتزم بأنه من قبيل إقراره صلى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه حين فسر الرؤيا بين يديه E وقال : أخطأت أم أصبت ي ارسول الله فقال له : أصبت بعضها وأخطأت بعضها ولم يبين له فيما أصاب وفيما أخطأ لأمر ما ولعله هنا ابتلاؤهم وأن يمحص ما فى صدورهم وهذا على العلات أولى من حمل النسخ على التخصيص لا ستلزامه مع ما فيه وقوع التكليف بما لا يطاق كما لا يخفى وقيل : معنى الآية إن تعلنوا ما فى أنفسكم من السوء أو لم تعلنوه بأن تأتوا به خفية يعاقبكم الله تعالى عليه ويؤول إلى قولنا أن تدخلوا الاعمال السيئة فى الوجود ظاهرا أو خفية يحاسبكم بها الله تعالى أو إن تظهروا ما فى أنفسكم من كتمان الشهادة بأن تقولوا لرب الشهادة عندنا شهادة ولكن نكتمها ولا نؤديها لك عند الحكام أو تخفوه بأن تقولوا له ليس فى علمنا خبر ما تريد أن نشهد به وأنتم كاذبون فى ذلك يحاسبهم به الله وأيد هذا بما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبى حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه فى الآية الكريمة قال : نزلت فى الشهادة وقيل : الآية على ظاهرها و ما فى أنفسكم على عمومه الشامل لجميع الخواطر إلا أن معنى يحاسبكم يخبركم به الله تعالى يوم القيامة وقد عدوا من جملة معنى الحسيب العليم وجميع هذه الاقوال لا تخلو عن نظر فتدبر وارجع إلى ذهنك فلا إخالك تجد فوق ما ذكرناه او مثله فى كتاب .
وتقديم الجار والمجرور على الفاعل للاعتناء به وأما تقديم الابداء على الاخفاء على عكس ما فى قوله تعالى قل إن تخفوا ما فى أنفسكم أو تبدوه يهلمه الله فلما قيل : إن المعلق بما فى أنفسكم هنا المحاسبة والأصل فيها الأعمال البادية وإما العلم فتعلقه بها كتعلقه بالأعمال الخافية ولا يختلف الحال عليه تعالى بين الأشياء البارزة والكامنة بل لا كامن بالنسبة إليه سبحانه خلا أن مرتبة الإخفاء متقدمة على مرتبة الإبداء ما من شئ يبدو إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر فى النفس فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلق علمه بحالته الثانية فيغفر بالرفع على الاستثناء أى فهو يغفر بفضله لمن يشاء أن يغفر له من عباده ويعذب بعدله .
من يشاء أن يعذبه من عباده وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه وقرأ غير ابن عامر وعاصم ويعقوب بجزم الفعلين عطفا على جواب الشرط وقرأ ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بنصبهما بإضمار أن وتكون هى وما فى حيزها بتأويل مصدر معطوف على المصدر المتوهم من الفعل السابق والتقدير تكن محاسبة فغفران وعذاب ومن القواعد المطردة أنه إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل بعد واو أو فاء جاء فيه الأوجه الثلاثة وقد أشار لها ابن مالك .
والفعل من بعد الجزا إن يقترن بالفاء أو الواو بتثليب قمن