سرابا عند النفخة الأولى أيضا ويأباه ظاهر الآية نعم لو جعلت الجملة حالية أي فتأتون أفواجا وقد سيرت الجبال فكانت سرابا لكان ذلك محتملا والظاهر أنها تصير سرابا لتسوية الأرض ولا يبعد أن يكون فيه حكم أخرى وقول بعضهم أنها تجري جريان الماء وتسيل سيلانه كالسراب فيزيد ذلك في اضطراب متعطشي المحشر وغلبة شوقهم إلى الماء خلاف الظاهر إن جهنم كانت مرصادا شروع في تفصيل أحكام الفصل أضيف إليه اليوم أثر بيان هوله والمرصاد اسم مكان كالمضمار للموضع الذي تضمر فيه الخيل ومفعال يكون كذلك على ما صرح به الراغب والجوهري وغيرهما كما يكون اسم آلة وصفة مشبهة للمبالغة والظاهر أنه حقيقة في الجمع أي موضع رصد وترقب ترصد فيه خزنة النار ليعذبوهم وقيل ترصد فيه خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها وقيل ترصد الملائكة عليهم السلام الطائفتين لتعذب أحدهما وهي المؤمنة وتعذب الأخرى وهي الكافرة وجوز أن يكون صيغة مبالغة كمتحار أي مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منهم واحد أو مجدة في ترصد المؤمنين لئلا يتضرر أحد منهم من فيحها أو مجدة في ترصد الطائفتين على نحو ما سمعت آنفا وإسناد ذلك إليها مجاز أو على سبيل التشبيه وفي البحر أن مرصادا معنى النسب أي ذات رصد وقد يفسر المرصاد بمطلق الطريق وهو أحد معانيه فيكون للطائفتين ومن هنا قال الحسن كما أخرج عنه ابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد في الآية لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار وقال قتادة كما أخرج هؤلاء عنه أيضا اعلموا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار وقوله تعالى للطاغين أي المتجاوزين الحد في الطغيان متعلق بمضمر أما نعت لمرصادا أي كائنا للطاغين وأما حال من قوله تعالى مآبا قدم عليه لكونه نكرة ولو تأخر لكان صفة له أي كانت مرجعا ومأوى كائنا لهم يرجعون إليه ويأوون لا محالة وجوز أن يكون خبرا آخر لكانت أو متعلقا بمآبا أو بمرصاد وعليه قيل معنى مرصادرا لهم معدة لهم من قولهم أرصدت له أي أعددت وكافأته بالخير أو الشر ومآبا قيل بدل من مرصادا على جميع الأوجه بدل كل من كل وقيل هو ثان لكانت أو صفة لمرصادا وللطاغين متعلق به أو حال منه على بعض التفاسير السابقة في كانت مرصادا فتأمل وقرأ أبو عمر والمنقري وابن يعمر أن جهنم بفتح الهمزة بتقدير لام جر لتعليل قيام الساعة المفهوم من الكلام والمعنى كان ذلك لأقامة الجزاء وتعقب بأنه ينبغي حينئذ أن يكون أن للمتقين أيضا بالفتح ومعطوفا على ما هنا لأنه بكليهما يتم التعليل بأقامة الجزاء إلا أن يقال ترك العطف للأشارة إلى استقلال كل من الجزاءين في استدعاء قيام الساعة وفيه نظر لأنه بذاك يتم الجزاء وأما نفس إقامته فيكفي في تعليلها ما ذكر على أنه لو كان المراد فيما سبق كانت مرصادا للفريقين على ما سمعت لا يتسنى هذا الكلام أصلا وقوله تعالى لابثين فيها أي مقيمين في جهنم ملازمين لها حال مقدرة من المستكن في للطاغين وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن علي وابن وثاب وعمرو بن شرحبيل وابن جبير وطلحة والأعمش وحمزة وقتيبة وروح لبثين بغير ألف بعد اللام وفيه من المبالغة ما ليس في لابثين وقال أبو حيان أن فاعلا يدل على من وجد منه الفعل وفعلا يدل على شأنه ذلك كحاذر وحذر وقوله تعالى أحقابا ظرف للبثهم وهو وكذا أحقب جمع حقب بالضم وبضمتين وهو على ما روي عن الحسن بزمان غير محدود ونحوه تفسير بعض اللغويين له بالدهر وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال الحقب الواحد ثمانون سنة وأخرج نحوه البزار عن أبي هريرة وابن جرير عن ابن عباس