أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي وهذا بالنسبة إلى حملة العلم الشرعي الذي جاء به حكيم الأنبياء ونبي الحكماء حضرة خاتم الرسالة ومحدد جهات العدالة والبسالة صلى الله تعالى عليه وسلم لا ما ذهب إليه جالينوس وديمقراطيس وأفلاطون وإرسطاليس ومن مشى على آثارهم وإعتكف في رواق أفكارهم فإن الجهل أولى بكثير مما ذهبوا إليه وأسلم بمراتب مما عولوا عليه حتى أن كثيرا من العلماء نهوا عن النظر في كتبهم وإستدلوا على ذلك بما أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى من حديث جابر أن عمر رضي الله تعالى عنه إستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جوامع كتبها من التوراة ليقرأها ويزداد بها علما إلى علمه فغضب ولم يأذن له وقال : لو كان موسى حيا لما وسعه إلا إتباعي وفي رواية يكفيكم كتاب الله تعالى ووجه الإستدلال أنه صلى الله عليه وسلّم لم يبح إستعمال الكتاب الذي جاء به موسى هدى ونورا في وقت كانت فيه أنوار النبوة ساطعة وسحائب الشبه والشكوك بالرجوع إليه منقشعة فكيف يباح الإشتغال بما وضعه المتخبطون من فلاسفة اليونان إفكا وزورا في وقت كثرت فيه الظنون وعظمت فيه الأوهام وعاد الإسلام فيه غريبا وفي كتاب الله تعالى غنى عما سواه كما لا يخفى على من ميز القشر من اللباب والخطأ من الصواب وما يذكر إلا أولوا الألبب .
269 .
- أي ما يتعظ أو ما يتفكر في الآيات إلا ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم وظلم إتباع الهوى وهؤلاء هم الذين أوتوا الحكمة ولإ ظهار الإعتناء بمدحهم بهذه الصفة أقيم الظاهر مقام المضمر والجملة إما حال أو إعتراض تذييلي .
ومن باب الإشارة في الآيات أنها إشتملت على ثلاثة إنفاقات متفاضلة الأول الإنفاق في سبيل الله تعالى وهو إنفاق في عالم الملك عن مقام تجلي الأفعال وإلى هذا أشار بقوله سبحانه : الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة الخ والثاني الإنفاق عن مقام مشاهدة الصفات وهو الإنفاق لطلب رضا الله تعالى وإليه أشار بقوله تعالى : الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ومن تمثيله بجنة يعلم مقدار فضله على الأول الممثل بحبة ولعل فضل أحدهما على الآخر كفضل الجنة على الحبة ومما يزيد في الفرق أن الجنة مع إيتاء أكلها تبقى بحالها بخلاف الحبة ولتأكيد الإشارة إلى إرتفاع رتبة هذا الإنفاق على الأول أتى بالربوة وهي المرتفع من الأرض والثالث الإنفاق بالله تعالى وهو عن مقام شهود الذات وهو إنفاق النفس بعد تزكيها وإليه الإشارة بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم والنفس مكتسبة بهذا الإعتبار وجزاء الإنفاق الأول الأضعاف إلى سبعمائة وتزيد لأن يد الطول طويلة وجزاء الثاني الجنة الصفاتية المثمرة للأضعاف وجزاء الثالث الحكمة اللازمة للوجود الموهوب بعد البذل وهي الخير العظيم الكثير لأنها أخص صفاته تعالى وصاحب هذا الإنفاق لا يزال ينفق من الحكم الآلهية والعلوم اللدنية لإرتفاع البين وشهود العين وقد نبه سبحانه في أثناء ذلك على أن الإنفاق يبطله المن والأذى لأنه إنما يكون محمودا لثلاثة أوجه كونه موافقا للأمر وهو حال له بالنسبة إليه تعالى وكونه مزيلا لرذائل البخل وهو حال له بالنسبة إلى المنفق نفسه وكونه نافعا مريحا وهو حال له بالنسبة إلى المستحق فإذا من صاحبه وآذى فقد خالف أمر الله تعالى وأتى بما ينافي راحة المستحق ونفعه وظهرت نفسه بالإستطالة والإعتداء والعجب والإحتجاب بفعلها ورؤية النعمة منها لا من الله تعالى وكلها رذائل أردأ من البخل ولهذا كان القول الجميل خيرا من الصدقة المتبوعة بالأذى بل لأنسبه وما أنفقتم من نفقة قليلة أو كثيرة سرا أو علانية في حق أو باطل فالآية بيان لحكم كلي شامل