واعلموا أن الله غني عن نفقاتكم وإنما أمركم بها لإنتفاعكم وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه عن شأنه حميد .
267 .
- أي مستحق للحمد على نعمه ومن جملة الحمد اللائق بجلاله تحري إنفاق الطيب مما أنعم به وقيل : حامد بقبول الجيد والإثابة عليه وإحتج بالآية على وجوب زكاة قليل ما تخرجه الأرض وكثيره حتى البقل وإستدل بها على أن من زرع في أرض إكتراها فالزكاة عليه لا على رب الأرض لأن أخرجنا لكم يقتضي كونه على الزارع وعلى أن صاحب الحق لا يجير على أخذ المعيب بل له الرد وأخذ سليم بدله الشيطن يعدكم الفقر إستئناف لبيان سبب تيمم الخبيث في الإنفاق وتوهين شأنه والوعد في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر وأما في الإستعمال الشائع فالوعد في الخير والإ يعاد في الشر حتى يحملوا خلافه على المجاز والتهكم وقد إستعمل هنا في الشر نظرا إلى أصل الوضع لأن الفقر مما يراه الإنسان شرا ولهذا يخوف الشيطان به المتصدقين فيقول لهم : لا تنفقوا الجيد من أموالكم وأن عاقبة إنفاقكم أن تفتقروا وتسمية ذلك وعدا مع أنه إعتبر فيه الإخبار بما سيكون من جهة المخبر والشيطان لم يضف مجئ الفقد إلى جهته للإيذان بمبالغة اللعين في الإخبار بتحقيق مجيئه كأنه نزله في تقرر الوقوع منزلة أفعال الواقعة حسب إرادته أو لوقوعه في مقابلة وعده تعالى على طريق الكشاكلة ومن الناس من زعم أن إستعمال الوعد هنا في الخير حسب الإستعمال الشائع والمراد أن مايخوفكم به هو وعد الخير لأن الفقر للإنفاق أجل خير ولا يخفى أنه بمراحل عن مذاق التنزيل وقرئ الفقر بالضم والسكون وبفتحتين وضمتين وكلها لغات في الفقر وأصله كسر فقار الظهر ويأمركم بالفحشاء أي الخصلة الفحشاء وهي البخل وترك الصدقات والعرب تسمي البخيل فاحشا قال كعب : أخي يا أخي لا فاحشا عند بيته ولا برم عند اللقاء هيوب والمراد بالأمر بذلك الإغراء والحث عليه ففى الكلام إستعارة مصرحة تبعية وقيل : المراد بالفحشاء سائر المعاصي وحملها على الزنا نعوذ بالله منه وجوز أن تكون بمعنى الكلمة السيئة فتكون هذه الجملة كالتأكيد للأولى وقدم وعد الشيطان على أمره لأنه بالوعد يحصل الإطمئنان إليه فإذا إطمأن إليه وخاف الفقر تسلط عليه بالأمر إذ فيه إستعلاء على المأمور والله يعدكم في الإنفاق على لسان نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم مغفرة لذنوبكم وعن قتادة لفحشائكم والتنوين فيها للتفخيم وكذا وصفها بقوله تعالى منه فهو مؤكد لفخامتها وفيه تصريح بما علم ضمنا من الوعد كما علمت مبالغة في توهين أمر الشيطان وفضلا أي رزقا وخلفا وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فتكون المغفرة إشارة إلى منافع الآخرة وهذا إشارة إلى منافع الدنيا .
وفي الحديث ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا وقدم منافع الآخرة لأنها أهم عند المصدق بها وقيل : المغفرة والفضل كلاهما في الآخرة وتقديم الأول حينئذ لتقدم التخلية على التحلية ولكون رفع المفاسد أولى من جلب المصالح وفي الآية فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وحذف صفة الثانى لدلالة المذكور عليها والله وسع بالرحمة والفضل عليم .
268 .
- بما تنفقون فيجازيكم عليه والجملة تذليل مقرر لمضمون ما قبله ومثلها في قوله تعالى :