زادها تعوج المنافذ تلويا كما يعرض للشعر أن لا يتجعد بسبب إلتواء مسامه وسبب الثانية أن المادة الريحية إذا وصلت إلى الأرض وقرعتها قرعا عنيفا ثم أثبتت فقلبتها ريح أخرى من جهتها التوت وإستدارت وقد تحدث أيضا من تلاقي ريحين شديدتين وربما بلغت قوتها إلى حيث تقلع الأشجار وتخطف المراكب من البحر وعلامة النازلة أن تكون لفائفا تصعد وتنزل معا كالراقص وعلامة الصاعدة أن لا يرى للفائفها إلا الصعود وقد يكون كل منهما بمحض قدرة الله تعالى من غير توسط سبب ظاهر وربما إشتمل دور الزوبعة على بخار مشتعل قوي فيكون نارا تدور أيضا ولتعيين هذا النوع وصف الإعصار بقوله سبحانه : فيه نار وتذكير الضمير لإعتبار التذكير فيه وإنما سمى ذلك الهواء إعصارا لأنه يلتف كما يلتف الثوب المعصور وقيل : لأنه يعصر السحاب أو يعصر الأجسام المار بها والتنوين في النار للتعظيم وروي عن ابن عباس أن الإعصار الريح الشديدة مطلقا وأن المراد من النار السموم وذكر سبحانه الإعصار ووصفه بما ذكر ولم يقتصر على ذكر النار كأن يقال فأصابها نار فاحترقت لما في تلك الجملة من البلاغة ما فيها لمن دقق النظر والفعل المقرون بالفاء عطف على أصابها وقيل : على محذوف معطوف عليه أي فأحرقها فإحترقت وهذا كما روي عن السدي تمثيل حال من ينفق ويضم إلى إنفاقه ما يحبطه في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة وإشتدت حاجته إلى ذلك ووجده هباءا منثورا بحال من هذا شأنه .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : آية من كتاب الله تعالى ما وجدت أحدا يشفيني عنها قوله تعالى : أيحب أحدكم أن تكون له الخ فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها فقال له عمر : فلم تحقر نفسك ! فقال : يا أمير المؤمنين هذا مثل ضربه الله تعالى فقال أيحب أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى إذا كبر سنه وقرب أجله ورق عظمه وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير عمل بعمل أهل الشفاء فأفسد عمله فأحرقه قال : فوقعت على قلب عمر وأعجبته .
وفي رواية البخاري والحاكم وابن جرير وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال عمر يوما لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : فيم ترون هذه الآية نزلت أيود أحدكم الخ قالوا الله تعالى أعلم فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر : يا ابن أخى قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ضربت لرجل غني عمل بطاعة الله تعالى ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله قيل : وهذا أحسن من أن يكون تمثيلا لمن يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء وفصل عنه لإ تصاله بما ذكر بعده أيضا لأن ذلك لا عمل له وأجيب بأن له عملا يجازى عليه بحسب ظاهر حاله وظنه وهو يكفي للتمثيل المذكور وأنت تعلم أن هذا لا يدفع أحسنية ذلك لا سيما وقد قاله ترجمان القرآن وإرتضاه الأمير المحدث رضي الله تعالى عنه كذلك أي مثل ذلك البيان الواضح الجاري في الظهور مجرى الأمور المحسوسة يبين الله لكم الأيت لعلكم تتفكرون .
266 .
- أي كي تتفكروا فيها وتعتبروا بما تضمنته من العبر وتعملوا بموجبها أو لعلكم تعملون أفكاركم فيما يفنى ويضمحل من الدنيا وفيما هو باق لكم في الأخرى فتزهدون في الدنيا وتنفقون مما أتاكم الله تعالى منها وترغبون في الآخرة ولا تفعلون ما يحزنكم فيها يأيها الذين إمنوا أنفقوا من طيبت أي جياد أو حلال