عطفية وحرك من نشاطه فإن للنفس قوى بعضها مبدأ بذل المال وبعضها مبدأ بذل الروح فمن سخر قوة بذل المال لوجه الله تعالى فقد ثبت بعض نفسه ومن سخر قوة بذل المال وقوة بذل الروح فقد ثبت كل نفس وقد يجعل مفعول تثبيتا محذوفا أي تثبيتا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم وقلوبهم فمن إبتدائية كما في قوله تعالى حسدا من عند أنفسهم ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ويعضده قراءة مجاهد وتبيينا من أنفسهم وجوز أن تكون من بمعنى اللام والمعنى توطينا لأنفسهم على طاعة الله تعالى وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي وليس بالبعيد وفيه تنبيه على أن حكمة الإنفاق للمنفق تزكية للنفس عن البخل وحب المال الذي هو الداء العضال والرأس لكل خطيئة .
كمثل جنة بربوة أي بستان بنشز من الأرض والمراد تشبيه هؤلاء في الزكاة بهذه الجنة وأعتبر كونها في ربوة لأن أشجار الربى تكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا للطافة هوائها وعدم كثافته بركوده .
وقرأ ابن عامر وعاصم بربوة بالفتح والباقون بالضم وابن عباس بالكسر وقرئ رباوة وكلها لغات وقرئ كمثل حبة بالحاء والباء أصابها وابل مطر شديد فأتت أي أعطت صاحبها أو الناس ونسبة الإيتاء إليها مجاز أكلها بالضم الشئ المأكول والمراد ثمرها وأضيف إليها لأنها محله أو سببه وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع بسكون الكاف تخفيفا ضعفين أي ضعفا بعد ضعف فالتثنية للتكثير أو مثلي ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من الوابل أو أربعة أمثاله بناءا على الخلاف في أن الضعف هل هو المثل أو المثلان وقيل : المراد تأتي أكلها مرتين في سنة واحدة كما قيل في قوله تعالى : تأتي أكلها كل حين ونصبه على الحال من أكلها أي مضاعفا فإن لم يصبها وابل فطل اي فيصيبها أو فالذي يصيبها طل أو فطل يكفيها والمراد أن خيرها لا يخلف على حال لجودنها وكرم منبتها ولطافة هوائها و الطل الرذاذ من المطر وهو اللين منه .
وحاصل هذا التشبيه أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت بحسب تفاوت ما يقارنها من الإخلاص والتعب وحب المال والإيصال إلى الأحوج التقي وغير ذلك فهناك تشبيه حال النفقة النامية لإبتغاء مرضاة الله تعالى الزاكية عن الأدناس لأنها للتثبيت الناشئ عن ينبوع الصدق والإخلاص بحال جنة نامية زاكية بسبب الربوة وأحد الأمرين والوابل والطل والجامع النمو المقرون بالزكاء على الوجه الأتم وهذا من التشبيه المركب العقلي ولك أن تعتبر تشبيه حال أولئك عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل تلك الجنة فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله تعالى زاكية زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عند ربهم جل شأنه كذا قيل : وهو محتمل لأن يكون التشبيه حينئذ من المفرق ويحتمل أن يكون من المركب والكلام مساق للإرشاد إلى إنتزاع وجه الشبه وطريق التركيب والفرق إذ ذاك بأن الحال للنفقة في الأول وللمنفق في الثاني .
والحاصل أن حالهم في إنتاج القل والكثير منهم الأضعاف لأجورهم كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل الواصلين إليها الإضعاف لأثمارها واختار بعضهم الأول وأبى آخرون الثاني فأفهم والله بما تعملون بصير 265 فيجازي كلا من المخلص والمرائي بما هو أعلم به ففي الجملة ترغيب للأول وترهيب للثاني مع ما فيها من الإشارة