ويبقى أصولها فيه ثم أمر أن يجعل على كل جبل من الجبال التي بحضرته وهي العناصر الأربعة التي هي أركان بدنه جزءا منهن وكأنه عليه الصلاة السلام أمر بقمعها وإماتتها حتى لا يبقى إلا أصولها المركوزة في الوجود والمواد المعدة في طبائع العناصر التي هي فيه وفي رواية أن الجبال كانت سبعة فعلى هذا يشير بها إلى الأعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن وفي أخرى أنها كانت عشرة وعليها ربما تكون إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة وأشار سبحانه بالأمر بالدعاء إلى أنه إذا كانت هاتيك الصفات حية بحياتها كانت غير منقادة وحشية ممتنعة عن قبول الأمر فإذا قتلت كانت حية بالحياة الحقيقية الموهومة بعد الفناء والمحو وهي حياة العبد وعند ذلك تكون مطيعة منقادة متى دعيت أتت سعيا وإمتثلت طوعا وذلك هو الفوز العظيم مثل الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله أي في وجوه الخيرات الشاملة للجهاد وغيره وقيل : المراد الإنفاق في الجهاد لأنه الذي يضاعف هذه الأضعاف وأما الإنفاق في غيره فلا يضاعف كذلك وإنما تجزى الحسنة بعشر أمثالها كمثل حبة خبر عن المبتدأ قبله ولابد من تقدير مضاف في أحد الطرفين أي مثل نفقة الذين كمثل حبة أو مثلهم كمثل باذر حبة ولولا ذلك لم يصح التمثيل والحبة واحدة الحب وهو ما يزرع للإقتيات وأكثر إطلاقه على البر وبذر ما لا يقتات به من البقل حبة بالكسر أنبتت سبع سنابل أي أخرجت تلك الحبة ساقا تشعب منه سبع شعب لكل واحد منها سنبلة .
في كل سنبلة مائة حبة كما نرى ذلك في كثير من الحب في الأراضي المغلة بل أكثر من ذلك والسنبلة على وزن فنعلة فالنون زائدة لقولهم أسبل الزرع بمعنى سنبل إذا صار فيه السنبل وقيل : وزنه فعلله فالنون أصلية والأول هو المشهور وإسناد الإنبات إلى الحبة مجاز لأنها سبب للإنبات والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى وهذا التمثيل تصوير للإضعاف كأنها حاضرة بين يدي الناظر فهو من تشبيه المعقول بالمحسوس .
والله يضعف هذه المضاعفة أو فوقها إلى ما شاء الله تعالى وإقتصر بعض على الأول وبعض على الثاني والتعميم أتم نفعا لمن يشاء من عباده المنفقين على حسب حالهم من الإخلاص والتعب وإيقاع الإنفاق في أحسن مواقعه أخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه وأبي الدرداء وأبي هريرة وعمران بن حصين وأبي أمامة وعبدالله بن عمر وجابر بن عبدالله Bهم كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله تعالى وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية وعن معاذ بن جبل إن غزاة المنفقين قد خبأ الله تعالى لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد والله وسع لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عليم .
261 .
- بينه المنفق وسائر أحواله ومناسبه هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر قصة المار على القرية وقصة إبراهيم E وكانا من أدل دليل على البعث ذكر ما ينفع به يوم البعث وما يجد جزاءه هناك وهو الإنفاق في سبيل الله تعالى كما أعقب قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بقوله تعالى عز شأنه : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا وكما عقب قتل داود جالوت وقوله تعالى : ولو شاء الله ما اقتتلوا بقوله سبحانه : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم الخ