يأتينك سعيا فالدعاء إنما وقع بعد الإحياء ولا يخفى أن الآثار مع ما فيه من التكلف لا تساعده وأعظم منه فسادا ما قيل : إنه E جعل على كل جبل منهن طيرا حيا ثم دعاها فجاءت فإن ذلك مما يبطل فائدة الطلب ويعارض الأخبار الصحيحة فإن أكثرها ناطق بأنه دعاها ميتة متفرقة الأجزاء وفي بعضها أن رءوسهن كانت بيده فلما دعاهن جعل كل جزء منهن يأتي إلى صاحبه حتى صارت جثثا ثم أقبلن إلى رءوسهن فإنضمت كل جثة إلى رأسها فعادت كل واحدة منهن إلى ما كانت عليه من الهيئة وسعيا حال من فاعل يأتينك أي ساعيات مسرعات أو ذوات سعي طيرانا أو مشيا وقيل : إطلاق السعي على الطيران مجاز وجوز أن يكون منصوبا على المصدرية كقعدت جلوسا ومن الغريب ما نقل عن النضر بن شميل قال : سألت الخليل بن أحمد عن قوله تعالى : يأتينك سعيا هل يقال الطائر إذا طار سعى فقال : لا قلت : فما معناه قال : معناه يأتينك وأنت تسعى سعيا وهو من التكلف الغير المحتاج اليه بمكان وإنما إقتصر سبحانه على حكاية أوامره جل شأنه من غير تعرض لإمتثال خليله E ولا لما ترتب عليه من آثار قدرته التى علمت النزر منها للإيذان بأن ترتب تلك الأمور على الأوامر الجليلة وإستحالة تخلفها عنها من الجلاء والظهور بحيث لا حاجة له إلى الذكر أصلا وزعم بعضهم أن الخليل E لم يفعل شيئا مما إقتضاه ظاهر الكلام وأن الأوامر فيه مثلها في قولك لمن لا يعرف تركيب الحبر مثلا : خذ كذا وكذا وأمكنهما سحقا وألق عليهما كذا وكذا وضع ذلك في الشمس مدة أيام ثم إستعمله تجده حبرا جيدا فأنا لا يقتضي الإمتثال إذا كان الغرض مجرد تعليم و الرؤية هنا علمية كما نقل عن شرح التوضيح وإبراهيم حصل له العلم التام بمجرد وصف الكيفية وإطمأن قلبه وسكن لبه ولهذا لم يذكر الله تعالى ما ترتب على هذه الأوامر من هاتيك الأمور ولم يتعرض للإمتثال ولم يعبأ بالإيماء إليه بقال أو حال ومال إلى هذا القول أبو مسلم فأنكر القصة أيضا وقال : إن إبراهيم E لما طلب إحياء الموتى من ربه سبحانه وأراه مثالا محسوسا قرب الأمر عليه والمراد بصرهن أملهن ومرنهن على الإجابة أي عود الطيور الأربعة بحيث إذا دعوتها أجابتك حال الحياة والغرض منه ذكر مثال محسوس لعود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ولا يخفى أن هذا خلاف إجماع المسلمين وضرب من الهذيان لا يركن اليه أرباب الدين وعدول عما يقتضيه ظاهر الآية المؤيد بالأخبار الصحيحة والآثار الرجيحة إلى ما تمجه الأسماع ولا يدعو اليه داع فالحق إتباع الجماعة ويد الله تعالى معهم وفي الآية دليل لمن ذهب إلى أن إحياء الموتى يوم القيامة بجمع الأجزاء المتفرقة وإرسال الروح إليها بعد تركيبها وليس هو من باب إعادة المعدوم الصرف لأنه سبحانه بين الكيفية بالتفريق ثم الجمع وإعادة الروح ولم يعدم هناك سوى الجزء الصوري والهيئة التركيبية دون الأجزاء المادية وإحتج بها بعضهم أيضا على أن البنية ليست شرطا في الحياة لأنه تعالى جعل كل واحد من تلك الأجزاء والأبعاض حيا قادرا على السعي والعدو وقال القاضي : دلت الآية على أنه لابد من البنية حيث أوجب التقطيع بطلان الحياة وأجيب بأن حصول المقارنة لا يدل على وجوب المقارنة والإنفكاك في بعض الأحوال يدل على أن المقارنة حيث حصلت ما كانت واجبة ولما دلت الآية على حصول فهم النداء لتلك الأجزاء كانت دليلا قاطعا على أن البنية ليست شرطا للحياة وفيه تأمل والمشهور أنها حجة على من ذهب إلى أن الايمان لا يزيد