بدلا لكان غلطا إلا أن يجعل إذ بمعنى أن المصدرية وقد جاء ذلك وقال الحلبي : وهذا بناءا منه على أن إن مفعول من أجله وليست واقعة موقع الظرف أما إذا كانت واقعة موقعه فلا يكون بدل غلط بل بدل كل من كل وفيه ما تقدم من الكلام وقيل : يجوز أن يكون بدلا من آتاه بدل إشتمال واستشكل بعضهم على جميع ذلك موقع قوله تعالى : قال أنا أحي وأميت إلا أن يجعل إستئنافا جواب سؤال وجعله بمنزلة المرئي يأبى ذلك ومن هنا قيل : إن الظرف متعلق بقوله سبحانه : قال أنا الخ ويقدر السؤال قبل إذ قال كأنه قيل : كيف حاج إبراهيم فأجيب بما أجيب ولا يخفى أن الإباء هو الإباء فالأولى القول من أول الأمر بأن هذا القول بيان لقوله سبحانه : حاج و ربي بفتح الياء وقرئ بحذفها وأراد عليه السلام يحي ويميت يخلق الحياة والموت في الأجساد وأراد اللعين غير ذلك فقد روي عنه أنه أتى برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر وقال ما قال : ولما كان هذا بمعزل عن المقصود وكان بطلانه من الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على أحد والتعرض لإبطال مثل ذلك من قبيل السعي في تحصيل الحاصل أعرض الخليل E عن إبطاله وأتى بدليل آخر أظهر من الشمس .
قال إبرهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب وفيه دليل على جواز إنتقال المجادل من حجة إلى أخرى أوضح منها وهي مسألة متنازع فيها وحمل ذلك على هذا أحد طريقين مشهورين في الآية وثانيهما أن الإنتقال إنما هو في المثال كأنه قال : ربي الذي يوجد الممكنات ويعدمها وأتى بالأحياء والإماتة مثالا فلما إعترض جاء بمثال أجلي دفعا للمشاغبة قال الإمام : والإشكال عليهما من وجوه .
الأول أن صاحب الشبهة إذا ذكر الشبهة ووقعت تلك الشبهة في الأسماع وجب على المحق القادر على ذكر الجواب وذكر الجواب في الحال إزالة للتلبيس والجهل عن العقول فلما طعن المارد في الدليل أو في المثال الأول بتلك الشبهة كان الإشتغال بإزالتها واجبا مضيقا فكيف يليق بالمعصوم تركه والإنتقال إلى شيء آخر والثان أنه لما أورد المبطل ذلك السؤال كان ترك المحق الكلام عليه والتنبيه على ضعفه مما يوجب سقوط وقع الرسول وحقارة شأنه وأنه غير جائز والثالث أنه وإن كان الإنتقال من دليل إلى آخر أو من مثال إلى غيره لكنه يجب أن يكون المنتقل إليه أوضح وأقرب وههنا ليس كذلك لأن جنس الحياة لاقدرة للخلق عليه وأما جنس تحريك الأجسام فللخلق قدرة عليه فلا يبعد وجود ملك عظيم الجثة يكون محركا للسموات فعلى هذا الإستدلال بالإماتة والإحياء أظهر وأقوى من الإستدلال بطلوع الشمس فكيف يليق بالنبي المعصوم أن ينتقل من الدليل الأوضح إلى الدليل الخفي والرابع أن المارد لما لم يستح من معارضة الإحياء والإمات 4 ة الصادرين من الله تعالى بالقتل والتخلية فكيف يؤمن منه عند الإنتقال إلى طلوع الشمس أن يقول بل طلوع الشمس من المشرق مني فإن كان لك إله فقل له حتى يطلعها من المغرب وعند ذلك إلتزم المحققون أنه لو أورد هذا السؤال لكان الواجب أن يطلعها من المغرب ومن المعلوم أن الإشتغال بإظهار فساد سؤاله في الإحياء والإماتة أسهل بكثير من إلتزام هذا الإطلاع وأيضا فبتقدير أن يحصل طلوع الشمس من المغرب يكون الدليل على وجود الصانع هو هذا الطلوع لا الطلوع الأول وحينئذ يصير ذلك ضائعا كما صار الأول كذلك وأيضا فما الذي حمل الخليل عليه السلام على ترك الجواب عن ذلك السؤال الركيك وتمسك بدليل لا يمكن تمشيته إلا بإلتزام إطلاع الشمس من المغرب وبتقدير ذلك يضيع الدليل الثانى كما ضاع