لا يصدر صداعهم عنها والمراد أنهم لا يلحق رؤسهم صداع لأجل خمار يحصل منها كما في خمور الدميا وقيل : لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأياب كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق .
وقرأ مجاهد لا يصدون بفتح الياء وشد الصاد على أن أصله يتصدعون فأدغم التاء في الصاد أي لا يتفرقون كقوله تعالى : يومئذ يصدعون بقتح الياء والتخفيف أي لا يصدع بعضهم بعضا ولا يفرقونهم أي لا يجلس داخل منهم بين اثنين فيفرق بين المتقاربين فإنه سواء الأدب ليس من حسن العشرة ولا ينزفون .
19 .
- قال مجاهد وقتادة والضحاك : لا تذهب عقولهم بسكرها من نزف الشارب كعنى إذا ذهب عقله ويقال للسكران نزيف ومنزوف وقيل : هو من نزف الماء نزحه من البئر شيئا فشيئا فكان الكلام على تقدير مضاف .
وقرأ ابن أبي إسحاق وعبد الله والسلمي والجحدري والأعمش وطلحة وعيسى وعاصم كما أخرج عنه عبد بن حميد ولا ينزفون بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه ومعناه صار ذا نزف ونظيره أقشع السراب وقشعته الريح وحقيقته دخل في القشع وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا ولا ينزفون بفتح الياء وكسر الزاي قال : في المجمع وهو محمول على أنه لا يفني خمرهم والتناسب بين الجملتين على ما سمعت فيهما أولا على قراءة الجمهور أن الأولى لبيان نفي الضرر على الأجسام والثانية لبيان نفي الضرر على العقول وتأمل لتعرفه إن شاء الله تعالى على ما عدا ذلك وفاكهة مما يتخيرون .
20 .
- أي يأخذون خيره وأفضله والمراد مما يرضونه ولحم طير مما يشتهون .
21 .
- مما تميل نفوسهم إليه وترغب فيه والظاهر أن فاكهة ولحم معطوفان على أكواب فتفيد الآية أن الولدان يطوفون بهما عليهم واستشكل بأنه قد جاء في الآثار أن فاكهة الجنة ينالها القائم والقاعد والنائم وعن مجاهد أنها دانية من أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين وأن الرجل من أهل الجنة يشتهي من الطيور الجنة فيقع في يده ملقيا نضجا وقد أخرج هذا ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة .
وأخرج عن ميمونة مرفوعا أن الرجل ليشتهي الطير في الجنة فيجيء مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولم تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير إلى غير ذلك وإذا كان الأمر كما ذكر استغنى عن طوافهم بالفاكهة واللخم وأجيب بأن ذلك والله تعالى أعلم حالة الإجتماع والشرب ويفعلون ذلك للإكرام ومزيد المحبة والتعظيم والإحترام وهذا كما يناول أحد الجلساء على خوان الآخر بعض ما عليه من الفواكه ونحوها وإن كان ذلك قريبا منه اعتنائا بشأنه وإظهارا لمحبته والأحتفال به وجوز أن يكون العطف على جنات النعيم وهو من باب متقلدا سيفا ورمحا أو من بابه المعروف وتقديم الفاكهة على اللخم للإشارة إلى أنهم ليسوا بحالة تقتضي تقديم اللحم كما في الجائع فإن حاجته إلى اللحم أشد من حاجته إلى الفاكهة بل هم بحالة تقتضي تقديم الفاكهة واختيارها كما في الشبعان فإن الفاكهة أميل منه إلى اللحم وجوز أن يكون ذلك لأن عادة هل الدنيا لا سيما أهل الشرب منهم تقديم الفاكهة في الأكل وهو طبا مستحسن لأنها ألطف وأسرع انحدارا أو أقل احتياجا إلى المكث في المعدة للهضم وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه ولأن الفاكهة تحرك الشهوة للأكل واللحم يدفعها غالبا .
ويعلم من الوجه الأول وجه تخيص التخير بالفاكهة والأشتهاء باللحم وفيه إشارة إلى أن الفاكهة