له حاجب عن كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب وهذا كما ترى ناشيء من كمالإيمانهم بالله واليوم الآخروتصديقهم بأنه سبحانه لا يعجزه إحياء الموتى كما لا يعجزه إماتة الأحياء فضلا عن نصرة الضعفاء فلا ريب في أن ما في حيز الصلة مما له كمال ملاءمة للحكم الوارد على الموصول لا سيما وقد أخذ فيه إذن الله تعالى وحكمه ومن لا يؤمن بلقاء الله تعالى لا يكاد يقرب من هذا القيد قيد شبر فأندفع بهذا ما قالهمولانا مفتي الديار الروميةمن أن هذا الجواب كما ترى ناشيء من كمال ثقتهم بنصر الله تعالى وتوفيقه ولا دخل في ذلك لظن لقاء الله تعالى بالبعث ولا لتوقع ثوابه عز شأنه ولا ريب في أن ما ذكر في حيز الصلة ينبغي أن يكون مدارا للحكم الوارد على الموصول ولا أقل من أن يكون وصفا ملائما له فإن الملاءمة على ما جاد به هذا الذهن الكليل حصلت على أتم وجه وأكمله فلا حاجة في تحصيلها إلى ما ذكره C تعالى بعد من إخراج اللفظ عن ظاهره الشائع إستعماله فيه إلى يوم ملاقاته تعالى وحمل ملاقاته سبحانه على ملاقاة نصره تعالى وتأييده وجعل التعبير بذلك عنه مبالغة فإنه بمعزل عن إستعمال ذلك في جميع الكتاب المجيد وليس هو من قبيل قوله تعالى : والله مع الصابرين المراد منه المعية بالنصر والإحسان لأنه في سائر القرآن مألوف إستعماله في مثل ذلك كما لا يخفى وهو يحتمل أن يكون من كلام الأعلين أتى به تكميلا للتشجيع وترغيبا بالصبر بالإشارة إلى ما فيه ويحتمل أن يكون إبتداء كلام من جهته تعالى جيء به تقريرا لكلامهم ودعاءا للسامعين إلى مثل حال هؤلاء المشير إليها مقالهم ولما برزوا أي ظهر طالوت ومن معه وصاروا في براز من الأرض وهو ما أنكشف منها وأستوى لجالوت وجنوده أي لمحاربتهم وقتالهم قالوا جميعا بعد أن قويت قلوب الضعفاء متضرعين إلى الله تعالى متبرئين من الحول والقوة .
ربنا أفرغ علينا صبرا أي صب ذلك علينا ووفقنا له والمراد به حبس النفس للقتال وثبت أقدامنا أي هب لنا كمال القوة والرسوخ عند المقارعة بحيث لا تتزلزل وليس المراد بتثبيت الأقدام مجرد تقررها في حيز واحد إذ ليس في ذلك كثير جدوى وأنصرنا على القوم الكافرين 052 أي أعنا عليهم بقهرهم وهزمهم ووضع الكافرين موضع الضمير العائد إلىجالوت وجنوده للإشعار بعلة النصر عليهم وفي هذا الدعاء من اللطافة وحسن الأسلوب والنكات ما لا يخفى أما أولا فلأن فيه التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال وأما ثانيا فلأن فيه الإفراغ وهو يؤذن بالكثرة وفيه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم وإغنائهم عن الماء الذي منعوا عنه وأما ثالثا فلأن فيه التعبيربعليالمشعر بجعل ذلك كالظرف وجعلهم كالمظروفين وأما رابعا فلأن فيه تنكير صبرا المفصح عن التفخيم وأما خامسا فلأن في الطلب الثاني وهو تثبيت الإقدام ما يرشح جعل الصبر بمنزلة الماء في الطلب الأول إذ مصاب الماء مزالق فيحتاج فيها إلى التثبيت وأما سادسا فلأن فيه حسن الترتيب حيث طلبوا أولا إفراغ الصبر على قلوبهم عند اللقاء وثانيا ثبات القدم والقوة على مقاومة العدو حيث أن الصبر قد يحصل لمن لا مقاومة له وثالثا العمدة والمقصود من المحاربة وهو النصرة على الخصم حيث أن الشجاعة بدون النصرة طريق عتبته عن النفع خارجة وقيل : إنما طلبوا أولا إفراغ الصبر لأنه ملاك الأمر وثانيا التثبيت لأنه متفرع عليه وثالثا النصر لأنه الغاية القصوى وأعترض