لم يزدد إلا عطشا وفي رواية إن الذين شربوا أسودت شفاههم وغلبهم العطش وكان ذلك من قبيل المعجزة لذلك النبي وقرأ أبي والأعمشإلا قليلبالرفع وجعلوه من الميل إلى جانب المعنى فإن قوله تعالى : فشربوا منه في قوة أن يقال : فلم يطيعوه فحق أن يرد المستثنى مرفوعا كما في قول الفرزدق : وعض زمان ياإبن مروانلم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف فإن قوله : لم يدع في حكم لم يبق وذهب أبو حيان إلى أنه لا حاجة إلى التأويل وجوز في الموجب وجهين النصب وهو الأفصح والإتباع لما قبله على أنه نعت أو عطف بيان وأورد له قوله : وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان ولا يخفى ما فيه فلما جاوزه أي النهر وتخطاه هو أي طالوت والذين آمنوا عطف على الضمير المتصل المؤكد بالمنفصل والمراد بهم القليلون والتعبير عنهم بذلك تنويها بشأنهم وإيماءا إلى أن من عداهم بمعزل عن الإيمان معه متعلقيجاوزلابآمنواوجو أن يكون مخبرا عن الذين بناءا على أن الواو للحال كأنه قيل : فلما جاوزه والحال إن الذين آمنوا كائنون معه .
قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده أي لا قدرة لنا بمحاربتهم ومقاومتهم فضلا عن الغلبة عليهم وجالوت كطالوت والقائل بعض المؤمنين لبعض وهو إظهار ضعف لا نكوص لما شاهدوا من الأعداء ما شاهدوا من الكثرة والشدة قيل : كانوا مائة ألف مقاتل شاكي السلاح وقيل : ثلثمائة ألف قال على سبيل التشجيع لذلك البعض وهو إستئناف بياني الذين يظنون أي يتيقنون أنهم ملاقوا الله بالبعث والرجوع إلى ما عنده وهم الخلص من أولئك والأعلون إيمانا فلا ينافي وصفهم بذلك إيمان الباقين فإن درجات المؤمنين في ذلك متفاوتة ويحتمل إبقاء الظن على معناه والمراد يظنون أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله تعالى وقيل : الموصول عبارة عن المؤمنين كافة وضمير قالوا للمنخزلين عنهم كأنهم قالوا ذلك إعتذارا عن التخلف والنهر بينهما ولا يخفى بعده لأن الظاهر أنهم قالوا هذه المقالة عند لقاء العدو ولم يكن المنخزلون إذ ذاك معهم وأيضا أي حاجة إلى إبداء العذر عن التخلف مع ما سبق من طالوت أن المارعين ليسوا منه في شيء فلو لم ينخزلوا لمنعوا من الذهاب معه كم من فئة أي قطعة من الناس وجماعةمن فأوت رأسهإذا شققته أو من فاء سليه إذا رجع وأصلها على الأول فيوة فحذفت لامها فوزنها فعة وأصلها على الثاني فيئة فحذفت عينها فوزنها فله و كم هنا خبرية ومعناها كثير و من زائدة و فئة تمييز وجوز أبو البقاء أن يكون من فئة في موضع رفع صفة لكمكما تقول عندي مائة من درهم ودينار وجوز بعضهم أن تكون كم إستفهامية ولعله ليس على حقيقته ونقل عن الرضى أن من لا تدخل بعد كم الإستفهامية فالقول بالخبرية أولى قليلة نعتلفئةعلى لفظها غلبت أي قهرت عند المحاربة فئة كثيرة بالنسبة إليها .
بإذن الله أي بحكمه وتيسيره ولم يقولوا أطاقت حسبما وقع في كلام أصحابهم مبالغة في تشجيعهم وتسكين قلوبهم وإذا حمل التنوين في فئة الأولى للتحقير وفيفئةالثانية للتعظيم كان أبلغ في التشجيع وأكمل في التسكين وقد ورد مثل ذلك في قوله :