الخبر من غير احتياج إلى ما تقدم والمراد كل من الشمس والقمر في فلك والجمهور على الأول وجريان الشمس والقمر مما لا ينبغي أن يشك فيه .
وفلاسفة العصر كانوا يزعمون أن الشمس لا تجري أصلا وأن القمر يجري على الرض والأرض تجري على الشمس وقد سمعنا أنهم عدلوا منذر أعوام عن ذلك غزعموا أن للشمس حركة على كوكب آخر وهذا يدل على أنهم لم يكن عندهم برهان على دعواهم الأولى كما كان يقوله من كان ينتصر لهم والظاهر أن حالهم اليوم بل وغدامثل حالهم بالأمس ونحن مع الظواهر حتىيقوم الدليل القطعي على خلافها وحينئذ نميل إلى التأويل وبابه واسع ومثل هذه الجملة قوله تعالى : والنجم والشجر يسجدان فإن المعطوف على الخبر خبر والمراد بالنجم النبات الذي ينجم أي يظهر ويطلع من الأرض ولا ساق له وبالشجر النبات الذي له ساق وهو المروي عن ابن عباس وابن جبير وأبي رزين والمراد بسجودهما انقيادهما له تعالى فيما يريد بهما طبعا شبه جريهما على مقتضى طبيعتهما بانقياد الساجد لخالقه وتعظيمه لهثم استعمل اسم المشبه به في المشبه فهناك استعارة مصرحة تبعية وقال مجاهد وقتادة والحسن النجم نجم السماء وسجوده الغروب ونحوه وسجود الشجر بالظل واستداره عند مجاهد والحسن وفي رواية أخرى عن مجاهدأن سجودهما عبارة عن انقيادهما لما يرد سبحانه بهما طبعا والجمهور على تفسير النجم بما سمعت أولاقبل لأن اقترانه بالشجر يدل عليه وإن كان تقدم الشمس والقمر يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه تورية ظاهرة وإخلاء الجمل الثانية والثالثة والرابعة عن العطف لورودها على نهج التعديد مع الإشارة إلى أن كلامما تضمنتهمستقلة تقتضي الشكر وقصروا في أدائه ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبها ربما توهم أن الكل نعمة واحدة .
وتوسيط العاطف بين الرابعة والخامسة رعاية لتناسبهما من حيث التقابل لما أن الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث أن كلا من حال العلويين وحال السفليين من باب الإنقياد لأمر الله D وخلوهما عن الرابط اللفظي مع كونهما خبرين للتعويل على كمال قوة الأرتباط المعنوي إذ لا يتوهم ذهاب الوهم إلى كون حال الشمس والقمر بتسخيره غيره تعالى ولا إلى كون سجود النجم والشجر لسواه سبحانه فكأنه قيل : الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له كذا قالوه وفي الكشف : تبيينالما ذكره صاحب الكشاف في هذا المقام أخلى الجمل أي التي قبل الشمس والقمر بحسبان عن العاطف لأن الغرض تعديد النعم وتبكيت المنكر كما يقال : زيد أعناك بعدفقر أعزك بعد ذلك كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد فما تنكر من إحسانه كأنه لما عد نعمة حرك منه حتى يتأمل هل شكرها حق شكرها أم لا ثم يأخذ في أخرى ولو جيء بالعاطف صارت كواحدة ولم يكن من التحريك فيشيء ولما قضى الوطر من التعديد المحرك والتبكيت بذكر ما هو أصل النعم على نمط رد الكلام على منهاجه الأصلي من تعداد النعم واحدة بعد أخرى على التناسب والتقارب بحرف النسق وفيه تنبيه على أن النعم لا تحصى فليكتف بتعديد أجلها رتبة للغرض المذكور .
وجملة الشمس والقمر بحسبان ليست من أخبار المبتدأ والزمخشري إنما سألعن وجه الربط وأجاب بأن الربط حاصل بالوصل المعنوي كأنه بعد ما بكت ونبه أخذيعد عليه أصول النعم ليثيب على ما طلب منه من الشكر وهذا كما تقول في المثال الشابق بعد قولك : فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد دانت له أقرانك وأطاعته إخوانك وبسط نواله فيمن تحت ملكه ولم يخرجأحدمنحياطة عدله ونصفته فلا يشك ذو أرب أنها جمل