من الأرض إنشاءا إجماليا حسبما مر بحقيقه وقيل : إنشاؤهم من الأرض باعتبار أن المني الذي يتكونون منه من الأغذية التي منشؤها من الأرض وأيا ما كان فإذا ظرف لأعلم وهو على بابه من التفضيل .
وقال مكي : هو بمعنى عالم غذ تعلق علمه تعالى بأحوالهم في ذلك الوقت لا مشارك له تعالى فيه وتعقب بأنه قد يتعلق علم منأطلعه الله تعالى من الملائكة عليه وقيل : إذ منصوب بمحذوف والتقدير اذكروا إذ أنشأكم وهو كما ترى وإذ أنتم أجنة ووقت كونكم أجنة في بطون أمهاتكم على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه سبحانه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لو لا المغفرة الواسعة لأصابكم وباله فالجملة استئناف مقررلما قبلها وذكر فيبطون أمهاتكم مع أن الجنين ما كان في البطن للإشارة إلى الأطوار كما أشرنا إليه وقيل : لتأكيد شأن العلم لما أن بطن الأم في غاية الظلمة والفاء في قوله تعالى : فلا تزكوا أنفسكم لترتيب النهي عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدمكونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه سبحانه بصدوره عنكم أي إذاكان الأمر كذلك فلا تثنوا على أنفسكم بالطهارة عن المعاصي بالكلية أو بزكاء العمل وزيادة الخير بل أشركوا والله تعالى على فضله ومغفرته جل شأنه هو أعلم بمن اتقى المعاصي جميعاوهو استئناف مقرر للنهي ومشعر بأن فيهم من يتقيهابأسرها كذافي الإرشاد وقيل : اتقى الشرك وقيل : اتقى شيئا من المعاصي والآية نزلت على ما قيل : في قوم من المؤمنين كانوايعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا وهذا مذموم منهي عنهإذاكان بطريق الإعجاب أو الرياء أماإذا لم يكن كذلك فلا بأس به ولا يعدفاعله منالمزكين أنفسهم ولذا قيل : المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر ولا فرق في التزكية بين أن تكون عبارة وأن تكون إشارة وعد منها التسمية بنحو برة أخرج أحمد ومسلم وأبو داود وابن مردويه وابن سعد عن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم سموها زينب وكذا غير E إلى ذلك اسم برة بنت جحش وتغيير مثل ذلك مستحب وكذا ما يوقع نفيه بعض الناس في شيء من الطيرة كبركة ويسار والنهي عن التسمية به للتنزيه وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم كما روي جابر : إن عشت إن الله أنهى أمتي أن يسموا نافعا وأفلح وبركة محمول كما قالالنووي على إرادة أنهى نهي تحريم والظاهر أن كراهة ما يشعر بالتزكية مخصوص بما إذاكان الإشعار قويا كما إذاكان الأسم قبل النقل ظاهر الدلالة على التزكية مستعملافيها فلا كراهة في التسمية بما يشعر بالمدح إذالم يكن كذلك كسعيد وحسن وقد كان لعمرو رضي الله تعالى عنه ابنة يقال لها : عاصية فسماها رصص جميلة كذا قيل والمقام بعد لا يخلو عن بحث فليراجع وقيل : معنى لا تزكوا أنفسكم لا يزكي بعضكم بعضا والمراد النهي عنتزكية السمعة أو المدح للدنيا أو تزكية على سبيل القطع وأما التزكية لإثبات الحقوق ونحوه فهي جائزة وذهب بعضهم إلى أن الآية نزلت في اليهود .
أخرج الواحدي وابن المنذر وغيرهما عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال كانت اليهود إذاهلك لهم صبي صغيرة قالوا : هو صديق فبلغ ذلك النبي صصفقال : كذبتيهود ما من نسمة يخلقها الله تعالى في بطن أمها إلا يعلم سعادتها أو شقاوتها فأنزل الله سبحانه عند ذلك هو أعلم بكم الآية