المسير سائرين على أقدام الصدق أو راكبين على مطايا العزم ولا يصدنكم الخوف عن ذلك فإذا أمنتم بعد الرجوع عن ذلك السفر إلى الوطن الأصلي بكشف الحجاب فأذكروا الله أي فصلوا له بكليتكم حتى تفنوا فيه أو فإذا أمنتم بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء فأذكروا الله تعالى لحصول الفرق بعد الجمع حينئذ وأما قبل ذلك فلا ذكر إذ لا إمتياز ولا تفصيل وقد قيل : للمجنون أتحب ليلى فقال : ومن ليلى ! أنا ليلى وقال بعضهم : أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتنا ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم أي أوطانهم المألوفة ومقار نفوسهم المعهودة ومقاماتهم ومراتبهم من الدنيا وما ركنوا إليها بدواعي الهوى وهم قوم ألوف كثيرة أو متحابون متألفون في الله تعالى حذر موت الجهل والإنقطاع عن الحياة الحقيقية والوقوع في المهاوي الطبيعية فقال لهم الله موتوا أي أمرهم بالموت الإختياري أو أماتهم عن ذواتهم بالتجلي الذاتي حتى فنوا فيه ثم أحياهم بالحياة الحقيقية العلمية أو به بالوجود الحقانيوالبقاء بعد الفناءإن الله لذو فضل على سائر الناس بتهيئة أسباب إرشادهم ولكن أكثر الناس لا يشكرون لمزيد غفلتهم عما يراد بهم وقاتلوا في سبيل الله النفس والشيطان وأعلموا أن الله سميع هواجس نفوس المقاتلين في سبيله عليم بما في قلوبهم من ذا الذي يقرض الله ويبذل نفسه له بذلا خالصا عن الشركة فيضاعفه له أضعافا كثيرة بظهور نعوت جماله وجلاله فيهوالله يقبض أرواح الموحدينبقبضته الجبروتية في نور الأزلية ويبسط أسرار العارفين من قبضة الكبرياء وينشرها في مشاهدة ثناء الأبدية ويقال : القبض سره والبسط كشفه وقيل : القبض للمريدين والبسط للمرادين أو الأول للمشتاقين والثاني للعارفين والمشهور أن القبض والبسط حالتان بعد ترقي العبد عن حالة الخوف والرجاء فالقبض للعارف كالخوف للمستأمن والفرق بينهما أن الخوف والرجاء يتعلقان بأمر مستقبل مكروه أو محبوب والقبض والبسط بأمر حاضر في الوقت يغلب على قلب العارف من وارد غيبي وكان الأول من آثار الجلال والثاني من آثار الجمال .
ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل الملأ من القوم وجوههم وأشرافهم وهو أسم للجماعة لا واحدا من لفظه وأصل الباب الإجتماع فيما لا يحتمل المزيد وإنما سمى الأشراف بذلك لأن هيبتهم تملأ الصدور أو لأنهم يتمالؤن أي يتعاونون بما لا مزيد عليه ومن للتبعيض والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الملا من بعد موسى أي من بعد وفاته عليه السلام ومن للإبتداء وهي متعلقة بما تعلق به ما قبله ولا يضر إتحاد الحرفين لفظا لإختلافهما معنى إذ قالوا لنبي لهم قال أبو عبيدة : هو أشمويل بن حنة بن العاقروعليه الأكثر وعن السدي أنه شمعون وقال قتادة : هو يوشع بن نون لمكان من بعد من قبل وهي ظاهرة في الإتصال ورد بأن يوشع هذا فتى موسى عليهما السلام وكان بينه وبين داؤد قرون كثيرة والإتصال غير لازم و إذ متعلقة بمضمر يستدعيه المقام أي ألم تر قصة الملأ أو حديثهم حين قالوا أبعث لنا ملكا أي أقم لنا أميرا وأصل البعث إرسال المبعوث من المكان الذي هو فيه لكن يختلف بإختلاف متعلقه يقال : بعث البعير من مبركه إذا أثاره وبعثته في السير إذا هيجته وبعث الله تعالى الميت إذا أحياه وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالإرتحال