وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله في طاعته D على تكثر فنونها من العبادات البدتية المدحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليهما معا كالحج والجهاد وتقديم الأموال على الأنفس من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى وجوز بأن يقال : قدم الأموال لحرص الكثير عليهما حتى أنهم يهلكون أنفسهم بسببها مع أنه أوفق نظرا إلى التعريض بأولئك حيث أنهم لم يكفهم أنهم لم يجاهدوا بأموالهم حتى جاؤا وأظهروا الأسلام حبا للمغانم وعرض الدنيا ومعنى جاهدوا بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي العدو أو النفس والهوى أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف الجميلة هم الصادقون .
15 .
- أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا أولئك الأعراب روي أنه لما نزلت الآية جاؤا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم قوله تعالى : قل أتعلمون الله بدينكم أي أتخبرونه سبحانه وتعالى بذلك بقولكم آمنا فتعلمون من علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه وإلى الثاني بحرف الجر وقيل : إنه تعدى به لتضمين معنى الأحاطة أو الشعور فيفيد مبالغة من حيث أنه جار مجرى المحسوس وقوله تعالى : والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض حال من مفعول تعلمون وفيه من تجهيلهم ما لا يخفى وقوله سبحانه : والله بكل شيء عليم .
16 .
- تذييل مقرر لما قبله أي مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند إظهارهم الإيمان يمنون عليك أنأسلموا أي يعتدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابا ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته وقال الراغب : هي النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وثقلها عظمها أو المشقة في تحملها وأن أسلموا في موضع المفعول ليمنون لتضمينه معنى الأعتداد أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبا بنزع الخافض أو مجرورا بالحرف المقدر أي يمنون عليك بإسلامهم ويقال نحو ذلك في قوله تعالى : قل لا تمنوا علي إسلامكم فهو إما على معنى لا تعتدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم وجوز أبو حيان أن يكون أن أسلموا مفعولا منأجله أي يتفضلون عليك لأجل إسلامهم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان أي ما زعمتم في قولكم آمنا فلا ينافي هذا قوله تعالى : قل لم تؤمنوا أو الهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم وينافي نفي الإيمان السابق .
وقرأ عبد الله وزيد بن علي إذ هداكم بإذ لتعليلية وقريء إن هداكم بإن الشرطية إن كنتم صادقين .
17 .
- أي في ادعاء الإيمان فهو متعلق الصدق لا الهداية فلا تغفل وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم ولا يخف ما في سياق الآية من اللطف والرشاقة وذلك أن الكائن من أولئك الأعراب قد سماه الله تعال إسلاما إظهارا لكذبهم في قولهم : آمنا أي أحدثنا الإيمان في معرض الأمتنان ونفي سبحانه أن يكون كما زعموا إيمانا فلما منوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان منهم قال سبحانه لرسوله E : يعتدون عليك بما ليس جديرا بالأعتداد به من حديثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام فقل لهم : لا تعتدوا على إسلامكم أي حديثكم المسمى إسلاما عندي لا إيمانا ثم قال تعالى : بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم وفي قوله تعالى : إسلامكم بالأضافة ما يدل على أن ذلك غير معتد به