إذا سئلوا ما لهم من علا أشاروا إلى أعظم ناخره وقال الفاضل السري عبد الباقي أفندي العمري : أقول لمن غدا في كل وقت يباهينا بأسلاف عظام أتقنع بالعظام وأنت تدري بأن الكلب يقنع بالعظام وما الطف قوله : لم يجدك الحسب العالي بغير تقي مولاك شيئا فحاذر واتق الله وأبغ الكرامة في نيل الفخار به فأكرم الناس عند الله اتقاها وأكثر ما رأينا ذلك الأفتخار البارد عند أولاد مشائخ الزوايا الصوفية فإنهم ارتكبوا كل رذيلة وتعروا عن كل فضيلة ومع ذلك استطالوا بآبائهم عن فضلاء البرية واحتقروا أناسا فاقوهم حسبا ونسبا وشرفوهم أما وأبا وهذا هو الضلال البعيد والحمق الذي ليس عليه مزيد ولولا خشية السأم لآطلقنا في هذا الميدان عنان كميت القلم على أن فيما ذكرنا كفاية لمن أخذت بيده العناية والله تعالى أعلم .
قالت الأعراب آمنا قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة قبيلة تجاور المدينة أظهروا الأسلام وقلوبهم دغلة إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا ويروى أنهم قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : جئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدونبذكر ذلك الصدقة ويمنون به على النبي E وقيل : هم مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا : آمنا فاستحقينا الكرامة فرد الله تعالى عليهم وأيا ما كان فليس المراد بالأعراب العموم كما صرح به قتادة وغيره وإلحاق الفعل علامة التانيث لشيوع اعتبار التأنيث في الجموع حتى قيل : لا تبالي بجمعهم كل جمع مؤنث والنكته في اعتباره ههنا الأشارة على قلة عقولهم على عكس ما روعي في قوله تعالى : وقال نسوة قل لم تؤمنوا إكذاب لهم بدعوى الإيمان إذ هو تصديق مع الثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لهم وإلا لما منوا على الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة ولكن قولوا أسلمنا فإن الأسلام انقياد ودخول في العلم وهو ضد الحرب وما كان من هؤلاء مشعر به وكان الظاهر لم تؤمنوا ولكن اسلمتم أو لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا لتحصل المطابقة لكن عدل عن الظاهر اكتفاء بحصولها من حيث المعنى مع إدماج فوائد زوائد بيان ذلك أن الغرض المسوق له الكلام توبيخ هؤلاء في منهم بإيمانهم بأنهم خلوا عنه أو لا وبأنهم الممتنون أن صدقوا ثانيا فالأصل في الأرشاد إلى جوابهم قل كذبتم ولكن أخرج إلى ما هو عليه المنزل ليفيد عدم المكافحة بنسبة الكذب وفيه حمل له E على الأدب في شأن الكل ليصير ملكة لأتباعه وأن لا يلبسوا جلد النمر لمن يخاطبهم به وتلخيص ما كذبوا فيه .
ومن الدليل على أنه الأصل قوله تعالى في الآية التالية : أولئك هم الصادقون تعريضا بأن الكذب منحصر فيهم وأوثر على لا تقولوا آمنا لاستهجان ذلك لا سيما من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المبعوث