وتكره على الثانية وخلاف الأولى على الثالثة وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي وإلا فكالمسلم وأما ذكره ببدعته فليس مكروها .
وقال ابن المنذر في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في تفسير الغيبة : ذكرك أخاك بما يكره : فيه دليل على أن من ليس أخا لك من اليهود والنصارى وسائر الملل ومن أخرجته بدعته إلى غير دين الإسلام لا غيبة له ويجري نحوه في الآية والوجه تحريم غيبة الذمي كما تقرر وهو وإن لم يعلم من الآية ولا من الخبر المذكور معلوم بدليل آخر ولا معارضة بين ما ذكر وذلك الدليل كما لا يخفى قد تجب الغيبة لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها وتنحصر في ستة أسباب الأول التظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظم له قدرة على إزالة ظلمه أي تخفيفه الثاني الأستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته الثالث الأستفتاء فيجوز للمستفتي أن يقول للمفتي : ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له أو ما طريق تحصيل حقي أو نحو ذلك والأفضل أن يبهمه .
الرابع تحذير المسلمين من الشر كجرح الشهود والرواة والمنصفين والمتصدين لأفتاء أو إقراء مع عدم أهلية فتجوز إجماعا بل تحب وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزويج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي ويقتصر على ما يكفي فإن كفى نحو لا يصلح لك فذاك وإن احتاج إلى ذكر عيب ذكره أو عيبين فكذلك وهكذا ولا يجوز الزيادة على ما يكفي ومنذلك أن يعلم من ذي ولاية قادحا فيها كفسق أو تغفل فيجب ذكر ذلك لمن له قدرة على عزله وتولية غيره الخالي من ذلك أو على نصحه وحثه للستقامة والخامس أن يتجاهر بفسقه كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا فيجوز ذكرهم بما تجاهروا فيه دون غيره إلا أن يكون له سبب آخر مما مر .
السادس للتعريف بنحو لقب كالأعور والأعمش فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره نعم الأولى ذلك إنسهل ويقصد التعريف لا التنقيص وأكثر هذه الستة مجمع عليه ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مذكورة في محلها كالأحاديث الدالة على قبح الغيبة وعظم آثامها وأكثر الناس بها مولوعون ويقولون : هي صابون القلوبوإن لها حلاوة كحلاوة التمر وضراوة كضراوة الخمر وهي في الحقيقة كما قال ابن عباس وعلي بن الحسن رضي الله تعالى عنهم : الغيبة آدام كلام الناس نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى .
وما أحسن ما جاء به الترتيب في هذه الآية أعني قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن الخ كما قال أبو حيان وفصله بقوله : جاء الأمر أولا باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم وهو الظن ثم نهى ثانيا عن طلب تحقيق ذلك الظن ليصير علما بقوله سبحانه : ولا تجسسوا ثم نهى ثالثا عن ذكر ذلك إذا علم فهذه أمور ثلاثة مترتبة ظن فعلم بالتجسس فاعتياب وقال ابن حجر عليه الرحمة : إنه تعالى ختم كلا من الآيتين بذكر التوبة رحمة بعباده وتعطفا عليهم لكن لما بدئت الأولى بالنهي ختمت بالنفي في ومن لم يتب لتقاربهما ولما بدئت الثانية بالأمر في اجتنبوا ختمت به في فاتقوا الله إلى الخ وكان حكمة ذكر التهديد الشديد في الأولى فقط بقوله تعالى : ومن لم يتب الخ أن ما فيها أفحش لأنه إيذاء في الحضرة بالسخرية أو اللمز أو النبز بخلافه في الآية الثانية فإنه أمر خفي إذ كل من الظن والتجسس والغيبة يقتضي الأخفاء وعدم العلم به غالبا انتهى فلا تغفل .
يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى من آدم وحواء عليهما السلام فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب ومن هذا قوله :