عليها قريب منها في كثرة الفشو في الناس وهوكبيرة بالأجماع ويلزم عليه الحرج العظيم وإن لم يكن في عظم الحرج السابق مع أن هذا الدليل لا يقاوم الدلائل الكثيرة ولعل الأولى في الأستدلال على ذلك ما رواه أحمد وغيره بسند صحيح عن أبي بكرة قال : بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو آخذ بيدي ورجل عن يساري فإذا نحن بقبرين أمامنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير وبكى إلى أن قال : وما يعذبان إلا في الغيبة والبول ولا يتم أيضا فقد قال ابن الأثير : المعنى وما يعذبان في أمر كان يكبر عليهما ويشق فعله لو أراده لا أنه في نفسه غير كبير كيف لا يكون كبيرا وهما يعذبان فيه فالحق أنها من الكبائر نعم لا يبعد أن يكون منها ما هو من الصغائر كالغيبة التي لا يتأذى بها كثيرا نحو عيب الملبوس والدابة ومنها ما لا ينبغي أن يشك في أنه من أكبر الكبائر كغيبة الأولياء والعلماء بألفاظ الفسق والفجور ونحوها من الألفاظ الشديدة الإيذاء والأشبه أن يكون حكم السكوت عليها مع القدرة على دفعها حكمها ويجب على المغتاب أن يبادر إلى التوبة بشروطها فيقلع ويندم خوفا من الله تعالى ليخرج من حقه ثم يستحل المغتاب خوفا ليحله فيخرج عن مظلمته وقال الحسن : يكفيه الأستغفار عن الأستحلال واحتج بخبر كفارة من اعتبته أن تستغفر له وأفتي الخياطي بأنها إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم والأستغفار وجزم ابن الصباغ بذلك وقال : نعم إذا كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأكلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة وتبعهما كثيرون منهم النووي واختاره ابن الصلاح في فتاويه وغيره وقال الزركشي : هو المختار وحكاه ابن عبد البر عن ابن المبارك وأنه ناظر سفيان فيه وما يستدل به على لزوم التحليل محمول على أنه أمر بالأفضل أو بما يمحوا أثر الذنب بالكلية على الفور وما ذكر في غير الغالب والميت أما فيهما فينبغي أن يكثر لهما الأستغفار ولا اعتبار بتحليل الورثة على ما صرح به الخياطي وغيره وكذا الصبي والمجنون بناء على الصحيح من القول بحرمة غيبتهما .
قال في الخادم : الوجه أن يقال يبقى حق مطالبتهما إلى يوم القيامة أي إن تعذر الأستحلال والتحليل في الدنيا بأن مات الصبي صبيا والمجنون مجنونا ويسقط حق الله تعالى بالندم وهل يكفي الأستحلال من الغيبة المجهولة أم لا وجهان والذي رجحه في الأذكار أنه لا بد من معرفتها لأن الأنسان قد يسمح عن غيبة دون غيبة وكلام الحليمي وغيره يقتضي الجزم بالصحة لأن منسمح بالعفو من غير كشف فقد وطن نفسه عليه مهما كانت الغيبة ويندب لمن سئل التحليل أن يحلل ولا يلزمه لأن ذلك تبرع منه وفضل وكان جمع من السلف واقتدى بهم والدي عليه الرحمة والرضوان يمتنعون من التحليل مخافة التهاون بأمر الغيبة ويؤيد الأول خبر أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال : إني تصدقت بعرضي على الناس .
ومعناه لا أطلب مظلمة منهم ولا أخاصمهم لا أن الغيبة تصير حلالا لأن فيها حقا لله تعالى ولأنه عفو وإباحة للشيء قبل وجوبه وسئل الغزالي عن غيبة الكافر فقال : هي في حق المسلم محذورة لثلاث علل الإيذاء وتنقيص خلق الله تعالى وتضييع الوقت بما لا يعني والأولى تقتضي التحريم والثانية الكراهة والثالثة خلاف الأولى وأما اذلمي فكما لمسلم فيما يرجع إلى المنع عن الإيذاء لأن الشرع عصم عرضه ودمه وماله .
وقد روي ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : من سمع يهوديا أو نصرانيا فله النار ومعنى سمعه أسمعه ما يؤذيه ولا كلام بعد هذا في الحرمة وأما الحربي فغيبته ليست بحرام على الأولى