وقال الطيبي : هو من دليل الخطاب لكن أن في هذا الوجه تعسفا والوجه الآخر يعني ما تقدم أوجه لموافقته لا يسخر قوم من قوم وإنما المؤمنون إخوة ولا يغتب بعضكم بعضا وفي الكشف أخذ الأختصاص من العدول عن الأصل وهو لا يلمز بعضكم بعضا كأنه قيل : ولا تلمزا من هو صفتكم من الإيمان والطاعة فيكون من باب ترتب الحكم على الوصف وتعقب قول الطيبي بأن الكلام عليه يفيد العلية والأختصاص معا فيوافق ما سبق ويؤذن بالفرق بين السخرية واللمز وهو مطلوب في نفسه وكأنه قيل : لا تلمزوا المؤمنين لأنهم أنفسكم فيه بوجه إلى آخر ما قال فليتأمل والأنصاف أن المتبادر ما تقدم وقيل : المعنى لا تفعلوا ما تلزمون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه فأنفسكم على ظاهره والتجوز في تلمزوا أطلق فيه المسبب والمراد لا ترتكبوا أمرا تعابون به وهو بعيد عن السياق وغير مناسب لقوله تعالى : ولا تنابزوا وكونه من التجوز في الأسناد إذ أسند فيه ما للمسبب إلى السبب تكلف ظاهر وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق لا يدفع كونه مخالفا للظاهر وكذا كون المراد به لا تتسببوا إلى الطعن فيكم بالطعن على غيركم كما في الحديث من الكبائر أن يشتم الرجل والديه وفسر بأنه إن شتم والدي غيره شتم الغير والديه أيضا .
وقرأ الحسن والأعرج وغبيد عن أبي عمرو لا تلمزوا بضم الميم ولا نابزوا بالألقاب أي لا يدع بعضكم بعضا باللقب قال في القاموس : التنابز التعاير والتداعي باللقاب ويقال نبزه وينبزه نبزا بالفتح والسكون لقبه كنبزه والنبز بالتحريك وكذا النزب اللقب وخص عرفا بما يكرهه الشخص من الألقاب .
وعن الرضي أن لفظ اللقب في القديم كان في الذم أشهر منه في المدح والنبز في الذم خاصة وظاهر تفسير التنابز بالتداعي بالألقاب اعتبار التجريد في الآية لئلا يستدرك ذكر الألقاب ومن الغريب ما قيل التنابز الترامي أي لا تتراموا باللقاب ويراد به ما تقدم والمنهي عنه هو التقليب بما يتداخل المدعو به كراهة لكونه تقصيرا به وذما له وشينا .
قال النووي : اتفق العلماء على تحريم تلقيب الأنسان بما يكره سواء كان صفة له أو لأبيه أو لأمه أو غيرهما فقد روي أن الآية نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليسمع فأتى يوما وهو يقول : تفسحوا حتى انتهى إلى رسول الله E فقال لرجل : تنح فلم يفعل فقال : من هذا فقال الرجل : أنا فلان فقال : بل أنت ابن فلانة يريد أما كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت : لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبدا وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وجماعة عن ابن جبيرة بن الضحاك قال : فينا نزلت في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا : يا رسول الله إنه يكرهه فنزلت ولا تنابزو بالألقاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيآت ثم تاب منها وراجع الحق فنهي الله تعالى أن يعير بما سلف من عمله وعن ابن مسعود هو أن يقال اليهودي أو النصراني أو المجوسي إذا أسلم يا يهودي أو يا نصراني أو يا مجوسي وعن الحسن نحوه ولعل مأخذه ما روي أنها نزلت في صفية بنت حيي أتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت : إن النساء يقلن لي