أنه إذا جعل مفعولا ثانيا يكون المعنى فلو لا نصرهم اتخذوهم قربانا بدل الله تعالى أو متجاوزين عن أخذه تعالى قربانا إليهم وهو معنى فاسد واعترض عليه بجعل دون بمعنى قدام كما قيل به في قوله تعالى : وادعوا شهداءكم من دون الله وبأنه قد قيل : إن قربانا مفعول له فهو غير مختص بالمتقرب به وجاز أن يطلق على المتقرب إليه وحينئذ يلتئم الكلام وأجيب عن الأول بأنه غير قادح لأنه مع نزارة استعمال دون بمعنى قدام لا يصلح ظرف الأتخاذ لأنه ليس بين يدي الله تعالى وإنما التقرب بين يديه تعالى ولأجله سبحانه واتخاذهم قربانا ليس التقرب به لأن معناه تعظيمهم بالعبادة ليشفعوا بين يدي الله D ويقربوهم إليه سبحانه فزمان الأتخاذ ليس زمان التقرب البتة وحينئذ إن كان مستقرا حالا لزم ما لزم في الأول .
ولا يجوز أن يكون معمول قربانا لأنه اسم جامد بمعنى ما يتقرب به فلا يصلح عاملا كالقارورة وإن كان فيها معنى القرار وفيه نظر وأجيب عن الثاني بأن الزمخشري بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الأمتناع على أن قوله تعالى بعد بل ضلوا الخ ينادي على فساد ذلك ارفع النداء وقال بعضهم في امتناع كون قربانا مفعولا ثانيا و آلهة بدلا منه : إن البدل وإنكان هو المقصود لكن لا بد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا صحة لقولهم : اتخذوهم من دون الله قربانا أي ما يتقرب به لأن الله تعالى لا يتقرب به بل يتقرب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله تعالى في ذلك وجنح بعضهم إلى أنه يصح أن يقال : الله تعالى يتقرب به أي يرضاه تعالى والتوسل به جل وعلا وقال الطيبي إن الزمخشري لم يرد بفساد المعنى إلا خلاف المعنى المقصود إذ لم يكن قصدهم في اتخاذهم الأصنام آلهة علة زعمهم إلا أن يتقربوا بها إلى الله تعالى كما نطقت به الآيات فتأمل .
وقريء قربانا بضم الراء بل ضلوا عنهم أي غابوا عنهم وفيه تهكم بهم أيضا كأن عدم نصرهم لغيبتهم أو ضاعوا عنهم أي ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقد امتنع نصرهم الذي كانوا يؤملونه امتناع نصر الغائب عن المنصور وذلك أي ضلال آلهتهم عنهم إفكهم أي أثر إفكهم أي صرفهم عن الحق واتخاذهم إياها آلهة ونتيجة شركهم وما كانوا يفترون .
28 .
- أي وأثر افترائهم وكذبهم على الله تعالى أو أثرما كانوا يفترونه على الله D وقيل : ذلك إشارة إلى اتخاذ الأصنام آلهة أي ذلك الأتخاذ الذي أثره ضلال آلهتهم عنهم كذبهم وافتراؤهم أو والذي كانوا يفترونه وليس بذاك وإن لم يحوج إلى تقدير مضاف وقرأ ابن عباس في رواية أفكهم بفتح الهمزة والإك والأفك مصدران كالحذر والحذر وقرأ ابن الزبير والصباح بن العلاء الأنصاري وأبو عياض وعكرمة وحنظلة بن النعمان بن مرة ومجاهد وهي رواية عن ابن عباس أيضا أفكهم بثلاث فتحات على أن إفك فعل ماض وحينئذ الإشارة إلى الأتخاذ أي ذلك الأتخاذ صرفهم عن الحق وما كانوا قيل على عطف ذلك أو على الضمير المستتر وحسن للفصل أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي كذلك والجملة حينئذ معطوفة على الجملة قبلها .
وأبو عياض وعكرمة أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير وابن الزبير أيضا وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه آفكهم بالمد فاحتمل أن يكون فاعل فالهمزة أصلية وأن يكون أفعل والهمزة للتعدية أي جعلهم يأفكون وجوز أن تكون للوجدان كأحمدته وأن يكون أفعل بمعنى فعل وحكى في البحر أنه قريء أفكهم بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف وهي لغة في الإفك وقرأ ابن عباس فيما روي قطرب وأبو الفضل الرازي آفكهم اسم فاعل من إفك أي وذلك الأتخاذ صارفهم عن الحق وقريء وذلك إفكمما كانوا يفترون والمعنى ذلك بعض