ويعقوب والجحدري وفصله أي فطمه فالفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى وقيل : الفصال بمعنى وقت الفصل أي الفطم فهو معطوف على مدة الحمل والمراد بالفصال الرضاع التام المنتهي بالفطام ولذلك عبر بالفصال عنه أو عن وقته دون الرضاع المطلق فإنهلا يفيد ذلك وفي الوصف تطويل و والآية بيان لما تكابده الأم وتقاسيه في تربية الولد مبالغة في التوصية لها ولذا أعتني الشارع ببرها فوق الأعتناء ببر الأب فقد روي أن رجلا قال : يا رسول الله من أبر قال : أمك قال : ثم منقال : أمكقال : ثم من قال : أمك قال : ثم منقال أباك وقد أشير في الآية إلى ما يقتضي البر على الخصوص في ثلاث مراتب فتكون الأوامر في الخبر كالمأخوذة من ذلك واستدلبها علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجماعة من العلماء على أن أقل مدةالحمل ستة أشهر لما أنه إذا حط عن الثلاثين للفصال حولان لقوله تعالى : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يبقى للحمل ذلك وبه قال الأطباء قال جالينوس : كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل فرأيت أمرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة وادعى ابن سينا أنه شاهد ذلك .
وأما أكثر مدة الحمل فليس في القرآن العظيم ما يدل عليه وقال ابن سينا في الشفا : بلغني من جهة من أثق به كل الثقة أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحملولدا نبتت أسنانه وحكى عن أرسطو أنه قال : أزمنة الحمل لكل حيوان مضبوطة سوى الإنسان فربما وضعت المرأة أشهرة وربما وضعت لثمانية وقلما يعيش الولد في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر وتحقق ارتباط حكم النسب بأقل مدة الحمل حتى لو وضعته فيما دونه لم يثبت نسبه منه وبعده يثبت وتبرأ من الزنا ولو أرضعت مرضعة بعد حولين لم يثبت به أحكام الرضاع في التناكح وغيره وفي هذا خلاف لا يعبأ به حتى إذا بلغ أشده غاية لمقدر أي فعاش أو استمرت حياته حتى إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله وبلغ أربعين سنة الظاهر أنه بلوغ الأشد وقال بعضهم : إنه بلوغ الأشد والعطف للتأكيد .
وقد ذكر غير واحد أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى جدا خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله بعد وفي الحديث إن الشيطان يجر يده من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول يأبى وجه لا يفلح وأخرج أبو الفتح الأزدي من طرق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار وعلى ذلك قول الشاعر : إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى وإن جر أسباب الحياة له العمر وقيل : لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين وذهب الفخر إلى خلافه مستدلا بأن عيسى ويحيى عليهما السلام أرسلا صبيين لظواهر ما حكي في الكتاب الجليل عنهما وهو ظاهر كلام السعد حيث قال : من شروط النبوة الذكورة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ولو في الصبا كعيسى ويحيى عليهما السلام إلى آخر ما قال .
وذهب ابن العربي في آخرين إلى أنه يجوز على الله سبحانه بعث الصبي إلا أنه لم يقع وتأولوا آيتي عيسى ويحيى قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا آتيناه الحكم صبيا بأنهما أخبار عما سيحصل لهما