مناظرته له ورده عليه وإفحامه إياه وقيل : عابه بما كان به عليه السلام من الحبسة أيام كان عنده وأراد اللعين أنه عليه السلام ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به وهو في نفسه مخل بما ينعت به الرجال من اللسن وإبانة الكلام أم على ما نقل عن سيبويه والخليل متصلة وقد نزل السبب بعدها منزلة المسبب على ما ذهب إليه الزمخشري والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع أم خير موضع أم تبصرون .
وإيضاح ذلك أن فرعون عليه اللعنة لما قدم أسباب البسطة والرساسة بقوله أليس لي الخ وعقبه بقوله أفلا تبصرون استقصارا لهم وتنبيها على أنه من الوضوح بمكان لا يخفى على ذي عينين قال في مقابلة : أم أنا خير بمعنى أم تبصرون أني أنا المقدم المتبوع وفي العدول تنبيه على أن هذا الشق هو المسلم لا محالة عندكم فكأنه يحكيه عن لسانهم بعدما أبصروا وهو أسلوب عجيب وفن غريب وجعله الزمخشري من أنزال السبب مكان المسبب لأن كونه خيرا في نفسه أي محصلا له أسباب التقدم والملك سبب لأن يقال أن تخير منه وقولهم : أنت خير سبب لكونهم بصراء وسبب السبب قد يقال له سبب فلا يرد ما يقال إن السبب قولهم : أنت خير لا قوله : أنا خير وقال القاضي البيضاوي : إنه من إنزال المسبب منزلة السبب لأن عملهم بأنه خبر مستفاد من الأبصار وفيه أن المذكور أنا خير لا أم تعلمون أني خير وله أن يقول : ذلك يغني غناه لأنه جعله مسلما معلوما ما عندهم فقال : أم أنا خير لاأم تعلمون كما سلف ولا يخفىأن ما ذكره الزمخشري أظهر كذا في الكشف وقال العلامة الثاني في تقرير ذلك : إن قوله : أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادعاه وقوله : أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك به وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأن إبصارهم سبب لقولهم أنت خير فتأمل وبالجملة إن ما بعد أم مؤول بجملة فعلية معلولة لفظا ومعنى ما سمعت ونحو ذلك من حيث التأويل أدعوتموهم أم أنتم صامتون أي أم صمتم وقوله : .
أمخدج اليدين أم أتمت .
أي أم متما وقيل : حذف المعادل لدلالة المعنى عليه : والتقدير أفلا تبصرون أنا خير الخ وتعقب بأن هذا لا يجوز إلا إذا كان بعد أم لا نحو أيقول زيد لا أي لا يقول فأما حذفه دون لا فليس من كلامهم وجوز أن يكون في لبكلام طي على نهج الأحتباك والمعنى أهو خير مني فلا تبصرونما ذكرتكم به أم أنا خير منه لأنكم تبصرونه ولا ينبغي الألتفات إليه وجوز غير واحد كون أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة التي للتقدير كأن اللعين قال أثر ما عدد أسباب فضله ومباديء خيريته : أثبت عندكم واستقر لديكم أني خير وهذه حالي من هذاالخ ورجحه بعضهم لما فيه من عدم التكلف في أمر المعادل اللازم أولا لحسن في المتصلة وقال السدي وأبو عبيدة : أم بمعنى بل فيكون قد انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير كقول الشاعر : بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح وقال أبو البقاء : إنها منقطعة لفظا متصلة معنى وأراد ما تقدم من التأويل وليس فيه مخالفة لما أجمع عليه النحاة كما توهم وجملة لا يكاد يبين معطوفة على الصلة أو مستأنفة أو حالية وقريء أما أنا خير بإدخال الهمزة على ما النافية وقرأ الباقر رضي الله تعالى عنه يبين بفتح الياء من بان إذا ظهر فلو لا ألقى عليه أسورة من ذهب كناية عن تمليكه قال مجاهد : كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق من ذهب علامة لسودده