جادين ويشترك كلها في أنها كلمات كفر فإن جعلوا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله تعالى ولوكانت هذه الكلمة كلمة حق نطقوا بها هزأ لم يكن لقوله سبحانه : ما لهم بذلك من علم الخ معنى لأن الواجب في من تكلم بالحق استهزاء أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب ولا يخفى أن رده بأنه لا يدل عليه السياق صحيح وأماما ذكر من حكاية الله سبحانه والتعويج فلا لأنه تعالى ما حكى عنهم قولا أولا بل أثبت لهم اعتقادا يتضمن قولا أو فعلا وقد بين أنهم مستخفون في ذلك العقد كما أنهم مستخفون في هذا القول فقوله : لو نطقوا الخ لا مدخل له في السياق وليس فيه تعويج البتة من هذاالوجه وكذلك قوله : لم يكن لقوله تعالى : ما لهم الخ معنى مردود لأن الأستهزاء باب من الجهل كما يدل عليه قول موسى عليه السلام أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وقد تقدم في البقرة وأما الكذب فراجع إلى مضمونه والمراد منه كما سمعت فمن قال لا إله إلا الله استهزاء مكذب فيما يلزم من أنه إخبار عن إثبات التعدد لأنه إخبار عن التوحيد فافهم كذا في الكشف .
وفيه أيضا أن قولهم : لو شاء الرحمن الخ فهم منه كونه كفرا من أوجه أحدها أنه اعتذار عن عبادتهم الملائكة عليهم السلام التي هي كفر وإلزام أنه إذا كان بمشيئته تعالى لم يكن منكرا .
والثاني أن الكفر والأيمان بتصديق ما هو مضطر إلى العلم بثبوته بديهة أو استدلالا متعلقا بالمبدأ والمعاد وتكذيبه لا بإيقاع الفعل على وفق المشيئة وعدمه .
والثالث أنهم دفعوا قول الرسول بدعوتهم إلى عبادته تعالى ونهيهم عن عبادة غيره سبحانه بهذه المقالة ثم أنهم ملزمون على مساق هذا القول لأنه إذا استند الكل إلى مشيئته تعالى شأنه فقد شاء إرسال الرسل وشاء دعوتهم للعباد سبحانه جحودهم وشاء جل وعلا دخولهم النار فالأنكار والدفع بعد هذا القول دليل على أنهم قالوه لا عن اعتقاد بل مجازفة وإليه الإشارة بقوله تعالى في مثله : قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين وفيه أنهم يعجزون الخالق بإثبات التمانع بين المشيئة وضد المأمور به فيلزم أنلا يريد إلا ما أمر سبحانه به ولاينهى جل شأنه إلا وهو لا يريده وهذا تعجيز من وجهين إخراج بعض المقدورات عن أن يصير محلها وتضييق محل أمره ونهيه وهذا بعينه مذهب إخوانهم من القدرية ولهذه النكتة جعل قولهم : وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم معتمد الكلام ولم يقل : وعبدوا الملائكة وقالوا : لوشاء ونظير قولهم في أنه إنما أتى به لدفع ما علم ضرورة قوله تعالى عنهم : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فالدفع كفر والتعجيز كفر في كفر وقوله تعالى : ما لهم بذلك من علم يحتمل أن يرجع إلى جميع ما سبق من قوله تعالى وجعلوا له من عباده إلى هذا المقام ويحتمل أن يرجع إلى الأخير فقد ثبت أنهم قالوه من غير علم وهو الأظهر للقرب وتعقب كل بإنكار مستقل وطباقه لما في الأنعام وقوله سبحانه : إن هم لا يخرصون على هذاالتكذيب المفهوم منه راجع إلى استنتاج المقصود من هذه اللزومية فقد سبق أنها عليهم لا لهم ولوح إلى طرف منه في سورة الأنعام أو إلى الحكم بامتناع الأنفكاك مع تجويز الحاكم الأنفكاك حال حكمه فإن ذلك يدل على كذبه وإنكان ذلك الحكم في نفسه حقا صحيحا يحق أن يعلم كما تقول زيد قائم قطعا أو البتة وعندك احتمال نقيضه .
وليس هذا رجوعا إلى مذهب من جعل الصدق بطباق هل لمعتقد فافهم على أنه لما كان اعتذارا على ما مر صح أن يرجع التكذيب إلى أنه لا يصح اعتذارا أي أنهم كاذبون في أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها وهذا ما آثره