وان المراد الكفار المخاطبون في قوله تعالى : استجيبوا لربكم لترتب فإن أعرضوا عليه وضع المظهر موضع المضمر للاشعار بتصميمهم على الكفران والايذان بأنهم لا يرعوون مما هم فيه وإنها في المثال الثاني للجنس ليكون المعنى ليس ببدع من هذا الأنسان المعهود الأصرار لأن هذا الجنس مرسوم بكفران النعم فيكون ذم المطلق دليلا على ذم المقيد وفي الكشف أنه أراد أن الأنسان أي الأول للجنس الصالح للكل وللبعض وإذا قام دليل على إرادة البعض تعين وقد قام لما سلف أن الأصابة في غير المجرمين للعوض الموفي ولم يذهب إلى أن اللام للعهد وجعل قوله تعالى : فإن الانسان لكفور للجنس ليكون تعليلا للمقيد بطريق الأولى ومطابقا لما جاء في مواضع عديدة من الكتاب العزيز ولا بأس بأن يجعل إشارة السالف فإنه للجنس أيضا ويكون في موضع المظهر موضع المضمر الفائدة المذكورة مرارا بل هو أدل على القانون الممهد في الأصول ويكون كليهما للجنس أقول وإسناد الكفران مع أنه صفة الكفرة إلى الجنس لغلبتهم فهو مجاز عقلي حيث أسند إلى الجنس حال أغلب إفراده لملابسته الأغلبية ويجوز أن يعتبر أغلب الأفراد عين الجنس لغلبتهم على غيرهم فيكون المجاز لغويا وكذا يقال في إسناد الفرح إذا كان بمعنى البطر فإنه أيضا منصفات الكفرة بل إن كان بمعناه المعروف وهو انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون في اللذات البدنية الدنيوية فإنه وإن لم يكن من خواص الكفار بل يكون في المؤمنين أيضا اضطرارا أو شكرا إلا أنه لا يعم جميع أفراد الجنس وإن قلت بعمومه لم تحتج إلى ذلك كما إذا فسرته بالنظر على إرادة العهد في الانسان وإصابة السيئة بالذنوب غير عامة للأفراد أيضا فحال إسنادها يعلم مما ذكرنا وتصدير الشرطية الأولى بإذا مع إسناد الإذاقة بلفظ الماضي إلى نون العظمة للتنبية على أن إيصال النعمة محقق الوجود كثير الوقوع وأنه مراد بالذات من الجواد المطلق سبحانه وتعالى كما أن تصدير الثانية بإن وإسناد الأصابة بلفظ المضارع إلى السيئة وتعليلها باعمالهم للأيذان بندرة وقوعها وأنها بمعزل عن الانتظام في سلك الارادة بالذات والقصد الأولى وإقامة علة الجزاء مقام الجزاء مبالغة في ذمهم .
لله ملك السماوات والأرض لا لغيره سبحانه اشتراكا واستقلالا يخلق ما يشاء من غير وجوب عليه سبحانه يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور .
49 .
- أو يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما استئناف بياني أو بيان ليخلق أو بدل منه بدل البعض على ما اختاره القاضي ولما ذكر سبحانه إذاقة الانسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع جل وعلا ذلك أن له سبحانه الملك وأنه تعالى يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته تعالى البالغة لا كما شاء الأنسان بهواه وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر بل للشكر لمواليها وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها وتأكيد لانكار كفرانهم من وجهين الأول أن الملك ملكه سبحانه من غير منازع ومشارك يتصرف فيه كيف يشاء فليس من هو أحقر جزع من ملكه تعالى أن يعترض ويريد أن يجري التدبير حسب هواه الفاسد الثاني أن هذا الملك الواسع لذلك العزيز الحكيم جل جلاله الذي من شأنه أن يخلق ما يشاء فأنى يجوز أن يكون تصرفه الأعلى وجه لا يتصور أكمل منه ولا أوفق لمقتضى الحكمة والصواب وعند ذلك لا يبقى إلا التسليم والشغل بتعظيم المنعم المبلى عن الكفران والأعاجب وناسب هذا المساق أن يدل في البيان من أول الأمر على أنه تعالى فعل لمحض مشيئته سبحانه لا مدخل لمشيئة العبد فيه فلذا قدمت الأناث وأخرت الذكور كأنه قيل : يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء من الأناسي ما لا يهواه ويهب لمن يشاء