ذلك نفي أن يكون مثله سبحانه شيء يزاوجه D وهو وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها أو المراد ليس مثله تعالى شيء في الشؤن التي من جملتها التدبيرالسابق فترتبط بما قبلها أيضا والمراد من مثله ذاته تعالى فلا فرق بين ليس كذاته شيء وليس كمثله شيء في المعنى إلا أن الثاني كناية مشتملة على مبالغة وهي أن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته فكيف عن نفسه وهذا لا يستلزم وجود المثل إذ الفرض كاف في المبالغة ومثل هذا شائع في كلام العرب نحو قول أوس بن حجر : ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل وقول الآخر : وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر وقول الآخر : سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما أنك مثلهم في الناس من أحد وقد ذكر ابن قتيبة وغيره أن العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول مثلك لا يبخل وهي تريد أنت لا تبخل أي على سبيل الكناية وقد سمعت فائدتها وفي الكشف أنها الدلالة على فضل إثبات لذلك الحكم المطلوب وتمكينه وذلك لوجهين أحدهما أنه فرض جامع يقتضي ذلك فإذا قلت مثلك لا يبخل دل على أن موجب عدم البخل موجود بخلافه إذاقلت أنت لا تبخل والثاني أنه إذا جعل من جماعة لا يبخلون يكون أدل على عدم البخل لأنه جعل معدودا من جملتهم ومن ذلك قولهم قد أيفعت لداته أي أترابه وأمثاله في السن وقول رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في سقيا عبد المطلب : إلا وفيهم الطيب الطاهر لداته تعنير صلى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك وقيل : إن مثلا بمعنى الصفة وشيئا عبارة عنها أيضا حكاه الراغب ثم قال : والمعنى كصفته تعالى صفة تنبيها على أنه تعالى وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليست تلك الصفات له D حسبما يستعمل في البشر .
وذهب الطبري وغيره إلى أن مثلا زائدة للتأكيد كالكاف في قوله : بألمس كانوا رخاء مأمول فأصبحت مثل كعصف مأكول وقول الآخر : أهل عرفت الدار بالغريين وصاليات ككما يؤثفين وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بجيد لأن مثلا اسم والأسماء لا تزاد بخلاف الكاف فإنها حرف فتصلح للزيادة ونسب إلى الزجاج وابن جني والأكقرين القول بأن الكاف زائدة للتأكيد ورده ابن المنير بأن الكاف تفيد تأكيد التشبيه لا تأكيد النفي ونفي المماثلة المهملة أبلغ من نفي المماثلة المؤكدة فليست الآية نظير شطري البيتين ويقال نحوه فيما نقل عن الطبري ومن معه وأجيب بأنه يفيد تأكيد التشبيه أن سلبا فسلبو إن إثباتا فإثب ما أورد نغعم الأول هو الوجه والمثل قال الراغب : أعم الألفظ الموضوعة للمشابهة وذاك أن الند يقال لما يشارك في الجوهر أن الند يقال لما يشارك في الجوهر والشبه لما يشارك في الكيفية فقط والمساوي لما يشاركفي الكمية فقط والشكل لما يشارك في القدر والمساحة فقطك والمثل عام في جميع ذلك ولهذا لما أراد الله تعالى نفي الشبه من كل وجه خصه سبحانه بالذكر وذكرالأمام الرازي أن المثلين عند المتكلمين هما اللذان يقوم كل منهما مقام الآخر في حقيقته وماهيته وحمل المثل في الآية على ذلك أي لا يساوي الله تعالى في حقيقة الذات شيء وقال : لا يصح أن يكون المعنى ليس كمثله تعالى في الصفات شيء لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين كما أن الله تعالى يوصف بذلك وكذا يوصفون بكونهم معلومين مذكورين مع أن الله تعالى يوصف بذلك وأطول الكلام في هذا المقام وفي القلب منه شيء