الموفقيات عن عامر عن عبد الله بن الزبير قال : جئت أمي فقلت وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله تعالى فقالت : لا تقعد معهم ثم قالت : رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا أفتراهم أخشي من أبي بكر وعمر وقال ابن عمر وقد رأى ساقطا من سماع القرآن فقال إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط : هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة أنه قال في الآية هذا نعت أولياء الله تعالى قال : تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله تعالى ولم ينعتهم الله سبحانه بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وإنما هو من الشيطان وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن جبير : قال الصعقة من الشيطان وقال ابن سيرين : بيننا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن أن يحمل أحدهم على حائط باسطا رجليه ثم يقرأ عليهم القرآن كله فإن رمى بنفسه فهو صادق فهذه أخبار ناعية على بعض المتصوفة صعقهم وتواجدهم وضرب رؤسهم الأرض عند سماع القرآن ويقول مشايخهم : إن ذلك لضعف القلوب عن تحمل الوارد وليس فاعلو ذلك في الكمال كالصحابة أهل الصدر الأول في قوة التحمل فما هو إلا دليل النقص بدليل السالك إذا أكمل رسخ وقوي قلبه ولم يصدر منه شيء من ذلك ويقولون : ليس في الآية أكثر من إثبات الإقشعرار واللين وليس فيها نفي أن يعتريهم حال آخر بل في الآية إشعار بأن المذكور حال الراسخين الكاملين حيث قال سبحانه الذين يخشون ربهم فعبر بالموصول ومقتضى معلومية الصلة أن لهم رسوخا في الخشية حتى يعلموا بها فلا يلزم من كون حالهم ما ذكر ليس إلا على فرض دلالتها على الحصر كون حال غيرهم كذلك ثم أنه متى كان الأمر ضروريا كالعطاس لا اعتراف على من يتصف به وفي كلام ابن سيرين ما يؤيد ذلك وهذا غاية في هذا المجال ونحن نسأل الله تعالى أن يتفضل علينا بما تفضل به على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلّم ذلك هدى الله الإشارة إلى الكتاب الذي شرح أحواله يهدي به من يشاء أي من يشاءالله هدايته بأن يوفقه للتأمل فيما في تضاعيفه من شواهد الحقية ودلائل كونه من عنده D وجوز أن يكون ضمير يشاء لمن والمعنى يهدي الله تعالى من يشاء هداية الله تعالى وليس بذاك .
ومن يضلل الله أي يخلق سبحانه فيه الضلال إعراضه عما يرشده إلى الحق بسوء استعداده فما له من هاد .
23 .
- يخلصه من ورطة الضلال وقيل : الإشارة إلى المذكور من الإقشعرار واللين والمعنى ذلك الذي ذكر من الخشية والرجاء أثر هداه تعالى يهدي بذلك الأثر من يشاء من عباده ومن يضلله أي ومن لم يؤثر فيه لقسوة قلبه وإصراره على فجوره فما له من هاد أي من مؤثر فيه بشيء قط وهو كما ترى .
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تباين حال المهتدي والضال والكلام في الهمزة والفاء والخبر كالذي مر في نظائره ويقال هنا على أحد القولين : التقدير أكل الناس سواء فمن شأنه أن يتقي بوجهه الذي هو أشرف أعضائه يوم القيامة العذاب السيء الشديد لكون يده التي بها كان يتقي المكاره مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكره ولا يحتاج إلى الإتقاء بوجه من الوجوه فالوجه على حقيقته وقد يحمل على ذلك من غير حاجة إلى حديث كون اليد مغلولة تصويرا لكمال اتقائه وجده فيه وهو أبلغ وفي هذا المضمار يجري قول الشاعر :