من المقامرين إلى السرقة وتلف النفس وإضاعة العيال وإرتكاب الأمور القبيحة والرذائل الشنيعة والعداوة الكامنة والظاهرة وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من أعماه الله تعالى وأصمه ولدلالة الآية على أعظمية المفاسد ذهب بعض العلماء إلى أنها هي المحرمة للخمر فإن المفسدة إذا ترجحت على المصلحة أقتضت تحريم الفعل وزاد بعضهم على ذلك بأن فيها الأخبار بأن فيها الإثم الكبير والإثم إما العقاب أو سببه وكل منهما لا يوصف به إلا المحرم والحق أن الآية ليست نصا في التحريم كما قال قتادة : إذ للقائل أن يقول : الإثم بمعنى المفسدة وليس رجحان المفسدة مقتضيا لتحريم الفعل بل لرجحانه ومن هنا شربها كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعد نزولها وقالوا : إنما نشرب ما ينفعنا ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة فهي المحرمة من وجوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقريء إثم كثير بالمثلثة وفي تقديم الإثم ووصفه بالكبر أو الكثرة وتأخير ذكر المنافع مع تخصيصها بالناس من الدلالة على غلبة الأول ما لا يخفى وقرأ أبيوإثمهما أقرب من نفعهما ويسئلونك ماذا ينفقون أخرج إبن إسحاق عن إبن عباس رضي الله تعالى عنه أن نفرا من الصحابة أمروا بالنفقة في سبيل الله تعالى أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا فما ننفق منها فنزلت وكان قبل ذلك ينفق الرجل ماله حتى ما يجد ما يتصدق ولا ما يأكل حتى يتصدق عليه وأخرج إبن أبي حاتم من طريق أبان عن يحيى أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله فقالا : يارسول الله إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي معطوفة على يسئلونك قبلها عطف القصة على القصة وقيل : نزلت في عمرو بن الجموح كنظيرتها وكأنه سئل أولا عن المنفق والمصرف ثم سئل عن كيفيبة الإنفاق بقرينة الجواب فالمعنى يسئلونك عن صفة ما ينفقونه قل العفو أي صفته أن يكون عفوا فكلمة ما للسؤال عن الوصف كما يقال ما زيد فيقال كريم إلا أنه قليل في الإستعمال وأصل العفو نقيض الجهد ولذا يقالللأرض الممهدة السهلة الوطءعفو والمراد به ما لا يتبين في الأموال وفي رواية عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما الفضل من العيال وعن الحسن ما لا يجهد أخرج الشيخان وأبو داؤد والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدأ بمن تعول وأخرج إبن خزيمة عنه أيضا أنه قال : قال رسول الله : خير الصدقة ما أبقت غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول تقول المرأة أنفق علي أو طلقني ويقول مملوكك أنفق علي أو بعني ويقول ولدك إلى من تكلني وأخرج إبن سعد عن جابر قال : قدم أبو حصين السلمي بمثل بيضة الحمامة من ذهب فقال : يارسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من ركنه الأيسر فأعرض عنه ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته فقال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول : هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدأ بمن تعول .
وقرأ ابو عمر وبالرفع بتقدير المبتدأ على أن ماذا ينفقون مبتدأ وخبر والباقون بالنصب بتقدير الفعل وماذا مفعول ينفقون ليطابق الجواب السؤال كذلك يبين الله لكم الآيات أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد لأنه أبقى للبان وأكثر نفعا في الآخرة فالمشار إليه ما يفهم من قوله سبحانه : قل العفو وإيراد صيغة البعيد مع قربه لكونه