ذكرا وفيه إشارة إلى البرهان اللمي وهو أشرف من البرهان الأني ولذا قال بعض العارفين ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وتحنيك طفل الذهن بحلاوة هذا الأسم يعين على فطامه عن رضع ضرع السوي بدون وضع مرارة الحدوث على أن بركة التبرك طافحة بالأهمية وإن قلنا بأن في التقديم قطع عرق الشوكة ردا على من يدعيها ناسب مقام الرسالة وظهر سر تقديم الفعل في أول آية نزلت إذ المقام إذ ذاك مقام نبوة ولا رد ولا تبليغ فيها ولكل مقام مقال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال وقد أعتركت الأفهام هنا في توجيه القصر لظنه من ذكر الإختصاص حتى أدعاه بعضهم بأنواعه الثلاثة وأفرد البعض البعض فمقتصر على قصر الأفراد وقائل به وبالقلب وفي القلب من كل شيء وعندي هنا يقدر مقدما وبه قال الأكثرون وإن تقديره مؤخرا مؤخر عن ساحة التحقيق لأنه إما أن يقدر بعد الباء أو بعد أسم أو بعد أسم الله أو بعد البعد أما تقديره بعد الباء فلا يقوله من عرف الباء .
وأما بعد الأسم فلإستلزامه الفصل ولو تعقلا حيث أوجبوا الحذف هنا بين المتضايفين وأما بعد اسم الله فلإستلزامه الفصل كذلك بين الصفة والموصوف وأما بين الصفتين فيتسع الخرق وأما بعد التمام فيظهر نقص دقيق لأن في الجملة تعليق الحكم بما يشعر بالعلية فكان الرحمن الرحيم علة للقراءة المقيدة بإسم الله فإذا تأخر العامل المقيد المعلول وتقدمت علته أشعر بالإنحصار ولا يظهر وجهه وإذا قدرنا العامل مقدما كما هو الأصل أمنا من المحذور ويحصل إختصاص أيضا إذ كأنه قيل مثلا أقرأ مستعينا أو متبركا بسم الله الرحمن الرحيم لأنه الرحمن الرحيم وإنتفاء العلة يستلزم إنتفاء المعلول في المقام الخطابي إذا لم تظهر علة أخرى فيفيد الإختصاص لا سيما عند القائل بمفهوم الصفة فيشعر بأن من لم يتصف بذلك خارج عن الدائرة والإقتصار هنا ليس كالإقتصار هناك والتخلص بتقدير التركيب مستعينا بإسم الله لأنه الرحمن الرحيم أقرأ فيه ما لا يخفى على الطبع السليم وفي تقديم الحادث تعقلا وحذفه ذكرا وعدم وجود شيء في الظاهر مستقلا سوى الأسم القديم رمز خفي إلى تقديم الأعيان الثابتة في العلم وإن لم يكن على وجود الله تعالى إذ له جل شأنه التقدم المطلق وعدم ظهور شيء سواه وكل شيء هالك إلا وجهه وللإشارة إلى أنه لا ضرر في ذلك أرتكب والتبرك كالوجوب يقتضي التقدم بالذكر مكسورا لا مضموما وها هو كما ترى ومن الأكابر من قال ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله تعالى فيه ولا حلول وقد عد أكمل من الأول والمراتب أربع وتحنيك الرحمة يغنى عن كل در ويفطم طفل الذهن عن سدى جواري الفكر وكأن من قدر العامل مؤخرا رأى بسم الله مجراها وبإسمك ربي وضعت جنبي وأمثالهما فجرى مجراها والفرق ظاهر للناظر وهذا من نسائم الأسحار فتيقظ له ونم عن غيره .
والظرف مستقر عند بعض ولغو عند آخرين وقد أختلف في تفسيرهما فقيل اللغو ما يكون عامله مذكورا والمستقر ما يكون عامله محذوفا مطلقا وقيل المستقر ما يكون عامله عاما كالحصول والإستقرار وهو مقدر واللغو بخلافه وقيل اللغو ما يكون عامله خارجا عن الإظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا والمستقر ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة وكل ذلك أصطلاح وحيث لا مشاحة فيه إختار الأول فيكون الظرف هنا مستقرا كيفما قدر العامل وإنما كسرت الباء وحق الحروف المفردة أن تفتح لأنها مبنية والأصل في البناء لثقله وكونه مقابلا للأعراب الوجودي السكون لخفته وكونه عدميا إلا أنها من حيث كونها كلمات برأسها مظنة للإبتداء وهو بالساكن متعذر أو متعسر كان حقها الفتح إذ هو أخو السكون في الخفة المطلوبة في كثير الدور على الألسنة لإمتيازها من بين الحروف بلزوم الحرفية والجر وكل منهما يناسب الكسر أما الحرفية فلأنها تقتضي عدم الحركة