في الشيء موجبا لإتمامه لا يقال فيه أنه طريقة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل يقال في أداء المناسك والعبادات ويؤيد ذلك ما وقع في بعض الروايات فأهللتبالفاء الدالة على الترتب وما ذكر عن إبن مسعود رضي الله تعالى عنه معارض بما روى عنه من القول بالوجوب وبذلك قال علي كرم الله تعالى وجهه وكان يقرأ : وأقيموا أيضا كما رواه عنه إبن جرير وغيره وكذا إبن عباس وإبن عمر رضي الله تعالى عنهم إنتهى والإنصاف تسليم تعارض الأخابر وقد أخذ كل من الأئمة بما صح عنده والمسألة من الفروع والإختلاف في أمثالها رحمة وإن الحق أن الآية لا تصلح دليلا للشافعية ومن وافقهم كالإمامية علينا وليس فيها عند التحقيق أكثر من بيان وجوب إتمام أفعالهما عند التصدي لأدائهما وإرشاد الناس إلى تدارك ما عسى يعتريهم من العوارض المخلة بذلك من الإحصار ونحوه من غير تعرض لحالهما من الوجوب وعدمه ووجوب الحج مستفاد من قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ومن أدعى من المخالفين أنه دليل له فقد ركب شططا وقال غلطا كما لا يخفى على من ألقي السمع وهو شهيد وأخرج إبن جرير وإبن المنذر والبيهقي وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه إتمام الحج والعسرة لله أن تحرم بهما من دويرة أهلك ومثله عن أبي هريرة مرفوعا إلى رسول الله وأخرج عبدالرزاق وإبن أبي حاتم عن إبن عمر رضي الله تعالى عنهما من إتمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج وقيل : إتمامهما أن تكون النفقة حلالا وقيل : أن تحدث لكل منهما سفرا وقيل : أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ونحوها وقريء إلى البيت وللبيت والأول مروى عن إبن مسعود والثاني عن علي كرم الله تعالى وجهه فإن أحصرتم مقابل لمحذوف أي هذا إن قدرتم على إتمامهما والإحصار والحصر كلاهما في أصل اللغة بمعنى المنع مطلقا وليس الحصر مختصا بما يكون من العدو والإحصار بما يكون من المرض والخوفكما توهم الزجاجمن كثرة إستعمالهما كذلك فإنه قد يشيع إستعمال اللفظ الموضوع للمعنى العام في بعض أفراده والدليل على ذلك أنه يقال : حصره العدو وأحصره كصده وأصده فلو كانت النسبة إلى العدو معتبرة في مفهوم الحصر لكان التصريح بالإسناد إليه تكرارا ولو كانت النسبة إلى المرض ونحوه معتبرة في مفهوم الإحصار لكان إسناده إلى العدو مجازا وكلاهما خلاف الأصل والمراد من الإحصار هنا حصر العدو عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله تعالى : فإذا أمنتم فإن الأمن لغة في مقابلة الخوف ولنزوله عام الحديبية ولقول إبن عباس رضي الله تعالى عنهما لا حصر إلا حصر العدو فقيد إطلاق الآية وهو أعلم بمواقع التنزيل وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المراد به ما يعم كل منع من عدو ومرض وغيرهما فقد أخرج أبو داؤد والترمذي وحسنه والنسائي وإبن ماجه والحاكم من حديث الحجاج بن عمرو من كسر أو عرج فعليه الحج من قابل وروى الطحاوي من حديث عبدالرحمن بن زيد قال : أهل رجل بعمرة يقال له عمر بن سعيد فلسع فبينا هو صريع في الطريق إذ طلع عليه ركب فيهم إبن مسعود فسألوه فقال : أبعثوا بالهدى وأجعلوا بينكم وبينه يوم أمارة فإذا كان ذلك فليحل وأخرج إبن أبي شيبة عن عطاء لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حابس وروى البخاري مثله عنه وقال عروة : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار وما أستدل به الخصم مجاب عنه أما الأول فستعلم ما فيه وأما الثاني فإنه لا عبرة بخصوص السبب والحمل على أنه للتأييد يأبى عنه ذكره باللام إستقلالا والقول بأن أحصرتمليس عاما إذ الفعل المثبت لا عموم له فلا يراد إلا ما ورد فيه وهو حبس العدو بالإتفاق ليس بشيء لأنه وإن لم يكن عاما لكنه مطلق فيجري على إطلاقه وأما الثالث فلأنه بعد تسليم حجية قول إبن عباس