وبلغ مقام الشهود فليمسك عن كل شيء إلا له وبه وفيه ومنه وإليه ومن كان مبتلى بأمراض القلب والحجب النفسانية المانعة عن الشهود أو على سفر وتوجه إلى ذلك المقام فعليه مراتب أخر يقطعها حتى يصل إليه يريد الله بكم اليسر والوصول إلى مقام التوحيد والإقتدار بقدرته ولا يريد بكم العسر وتكلف الأفعال بالنفس الضعيفة ولتكملوا عدة المراتب ولتعظموا الله تعالى على هداتيه لكم إلى مقام الجمع ولعلكم تشكرون بالإستقامة وإذا سألك عبادي المختصون بي المنقطعون إلى عن معرفتي فإني قريب منهم بلا أين ولا بين ولا إجماع ولا إفتراق أجيب من يدعوني بلسان الحال والإستعداد بإعطائه ما أقتضى حاله وإستعداده فليستجيبوا لي بتصفية إستعدادهم وليشاهدوني عند التصفية حين أتجلى في مرايا قلوبهم لكي يستقيموا في مقام الطمأنينة وحقائق التمكين .
ولما كان للإنسان تلونات بحسب إختلاف الأسماء فتارة يكون بحكم غلبات الصفات الروحانية في نهار الواردات الربانية وحينئذ يصوم عن الحظوظ الإنسانية وتارة يكون بحكم الدواعي والحاجات البشرية مردودا بمقتضى الحكمة إلى ظلمات الصفات الحيوانية وهذا وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك الإمساك أباح له التنزل بعض الأحايين إلى مقارنة النفوس وهو الرفث إلى النساء وعلله بقوله سبحانه : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن أي لا صبر لكم عنها بمقتضى الطبيعة لكونها تلابسكم وكونكم تلابسونهن بالتعلق الضروري علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم وتنقضونها حظوظها الباقية بإستراق تلك الحظوظ الفانية في أزمنة السلوك والرياضة فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن اي وقت الإستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء باشروهن بقدر الحاجة الضرورية وأبتغوا بقوة هذه المباشرة ما كتب الله لكم من التقوى والتمكن على توفير حقوق الإستقامة والوصول إلى المقامات العقلية وكلوا وأشربوا في ليالي الصحو حتى يظهر لكم بوادر الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها ثم كونوا على الإمساك الحقيقي بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة الأخرى فإن لكل حاضر سهما منها ولولا ذلك لتعطلت مصالح المعاش وإليه الإشارة بخبر لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولي وقت مع حفصة وزينب ولا تقاربوهن حال إعتكافكم وحضوركم في مقامات القربة والأنس ومساجد القلوب ولا تأكلوا أموال معارفكم بينكم بباطل شهوات النفس وترسلوا بها إلى حكام النفوس الأمارة بالسوء لتأكلوا الطائفة من أموال القوى الروحانية بالظلم لصرفكم إياها في ملاذ القوى النفسانية وأنتم تعلمون أن ذلك إثم ووضع للشيء في غير موضعه يسألونك عن الأهلة وهي الطوالع القلبية عند إشراق نور الروح عليها قل هي مواقيت للسالكين يعرف بها أوقات وجوب المعاملة في سبيل الله وعزيمة السلوك وطواف بيت القلب والوقوف في عرفة العرفان والسعي من صفوة الصفا ومروة المروة وقيل : الأهلة للزاهدين مواقيت أورادهم وللصديقين مواقيت مراقباتهم والغالب على الأولين القيام بظواهر الشريعة وعلى الآخرين القيام بأحكام الحقيقة فإن تجلى عليهم بوصف الجلال طاشوا وإن تجلى عليهم بوصف الجمال عاشوا فهم بين جلال وجمال وخضوع ودلال نفعنا الله تعالى بهم وأفاض علينا من بركاتهم وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها أخرج إبن جرير والبخاري عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله وليس البر الآية وكأنهم كانوا يتحرجون من الدخول من الباب من أجل سقف الباب أن يحول بينهم وبين السماء كما صرح به الزهري في رواية إبن جرير