العبارة بما سمعت وذكر أن ذلك لا ينافي ما في المعالم بل يؤكده ويبين فائدة التوبيخين ونقل الطيبي عن الراغب في غرة التنزيل أنه قال : إن نسخ الليل بالنير الأعظم أبلغ في المنافع وأضمن للمصالح من نسخ النهار بالليل ألا ترى أن الجنة نهارها دائم لا ليل معه لاستغناء أهلها عن الاستراحة فتقديم ذكر الليل لانكشافه عن النهار الذي هو أجدى من تفاريق العصا ومنافع ضوء الشمس أكثر من أن تحصى أحق وأولى ومعنى قوله تعالى : أفلا تسمعون أفلا تسمعون سماع من يتدبر المسموع ليستدرك منه قصد القائل ويحيطبأكثر ما جعل الله تعالى في النهار من المنافع فان عقيب السماع استدراك المراد بالمسموع إذا كان هناك تدبر وتفكر فيه ومعنى أفلا تبصرون أتستدركون من ذلك ما يجب استدراكه انتهى .
وفي الكشف أنه مؤيد لما ذكره صاحب الكشاف وربما يقال ذكر سبحانه أولا فرضية جعل الليل سرمدا وثانيا فرضية جعل النهار كذلك لأن الليل كما قالوا مقدم على النهار شرعا وعرفا وأيضا ذلك أوفق بقوله تعالى وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ففي المثل الليل أخفى للويل وكذا بقوله تعالى سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة ففي الأثر كان الخلق في ظلمة فرش الله تعالى عليهم من نوره ولعله لاعتبار الأولية والآخرية ذيلت الآية الأولى بقوله تعالى : أفلا تسمعون بناء على أن المعنى أفلا تسمعون ممن سلف من آبائكم أو مما سلف منا أن آلهتكم لا تقدر على مثل ذلك والثانية بقوله سبحانه : أفلا تبصرون بناء على أن المعنى أفلا تبصرون أنتم عجزها عن مثل ذلك وجيء بالضياء غير موصوف في الآية الأولى وبالليل موصوفا في الثانية لما أفاده الزمخشري وقيل في وجه تذييل الآية الأولى بقوله تعالى : أفلا تسمعون دون قوله سبحانه : أفلا تبصرون أن المفروض لو تحقق بقي معه السمع دون الابصار إذ ظلمة الليل لا تحجب السمع وتحجب البصر وفي وجه تذييل الثانية بقوله تعالى أفلا تبصرون دون أفلا تسمعون أن تحقق المفروض وعدمه سيان في أمر السمع دون الابصار إذ لضياء النهار مدخل في الابصار وليس له مدخل في المسع أصلا وهو كما ترى وأعلم أن ههنا اشكالا وهو أن جعل الليل سرمدا إلى يوم القيامة ان تحقق لم يتصور الاتيان بضياء أصلا وكذأ جعل النهار سرمدا إلى يوم القيامة إن تحقق لم يتصور الايتان بليل كذلك أما من غيره تعالى فظاهر لأنه معدن العجز عن كل شيء وأما منه D فلاستلزامه اجتماع الليل والنهار إذا لو لم يجتمعا لم يتحقق الليل مستمرا إلى يوم القيامة وكذا جعل النهار كذلك وهو خلاف المفروض واجتماعهما محال والمحال لاصلاحية له لتعلق القدرة فلا يراد .
وأجيب بأن المراد إن ارادة سبحانه ذلك فمن إله غيره تعالى يأتيكم بخلاف مراده سبحانه بأن يقطع الاستمرار فيأتي بنهار بعد ليل وليل بعد نهار واعترض بأنه يفهم من الآية حينئذ أنه جل وعلا هو الذي إن أراد ذلك يأتيهم بخلاف مراده تعالى فيقطع الاستمرار وهو مشكل أيضا لأن اتيانه بخلاف مراده جل وعلا مستلزم لتخلف المراد عن الارادة وهو محال فاذا أراد الله تبارك وتعالى شيأ على وجه إرادة لا تعليق فيها لا يمكن أن يريده على خلاف ذلك الوجه وأجيب بأنه يجوز أن يكون المراد إن إرادة الله تعالى ذلك غير معلق له على إرادته عز شأنه خلافه لا يأتيكم بخلافه غيره D ولم يصرح بالقيد لدلالة العقل الصريح على أن الارادة غير المعلقة لا يمكن الاتيان بخلاف موجبها أصلا ومن الناس من ذهب إلى أنه سبحانه لا يبت إرادته فجميع ما يريده جل شأنه معلق وقيل : الأولى أن ياقل : ليس المراد سوى أن آلهتهم لا يقدرون على الاتيان بنهار