وأورد عليه أن الآية حكاية ما في التوراة وحجية حكاية شرع من قبلنا مشروطة بأن لا يظهر ناسخه كما صرحوا به وهو يتوقف على أن لا يوجد في القرآن ما يخالف المحكي إذ لو وجد ذلك كان ناسخا له لتأخره عنه فتكون الحكاية حكاية المنسوخ ولا تكون حجة فضلا عن أن تكون ناسخا وبعد تسليم الدلالة يوجد الناسخ كما لا يخفى هذا وذهب ساداتنا الحنفية والمالكية وجماعة إلى أنه ليس للولي إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضا القاتل لأن الله تعالى ذكر في الخطأ الدية فتعين أن يكون القصاص فيما هو ضد وهو العمد ولما تعين بالعمد لايعدل عنه لئلا يلزم الزيادة على النص بالرأي وأعترض بأن منطوق النص وجوب رعاية المساواة في القود وهو لا يقتضي وجوب أصل القود وأجيب بأن القصاص وهو القود بطريق المساواة يقتضي وجوبهما فمن عفي له من أخيه شيء أي ما يسمى شيئا من العفو والتجاوز ولو أقل قليل فالمصدر المبهم في حكم الموصوف فيجوز نيابته عن الفاعل وله مفعول به و من أخيه يجوز أن يتعلق بالفعل ويجوز أن يكون حالا من شيء وفي إقامة شيء مقام الفاعل على إشعار بأن بعض العفو كأن يعفى عن بعض الدم أو يعفو عنه بعض الورثة كالعفو التام في إسقاط القصاص لأنه لا يتجزأ والمراد بالأخ ولي الدم سماه أخا إستعطافا بتذكير إخوة البشرية والدين وقيل : المراد به المقتول والكلام على حذف مضاف أي من دم أخيه وسماه أخا القاتل للإشارة إلى أن أخوة الإسلام بينهما لا تنقطع بالقتل و عفي تعدي إلى الجاني وإلى الجناية بعن يقال : عفوت عن زيد وعن ذنبه وإذا عديت إلى الذنب مرادا سواء كان مذكورا أو لا كما في الآية عدى إلى الجاني باللام لأن التجاوز عن الأول والنفع للثاني فالقصد هنا إلى التجاوز عن الجناية إلا أنه ترك ذكرها لأن الإهتمام بشأن الجاني وقدر بعضهم عن هذه داخلة على شيء لكن لما حذفت أرتفع لوقوعه موقع الفاعل وهو من باب الحذف والإيصال المقصور على السماع ومن الناس من فسر عفي بترك فهو حينئذ متعد أقيم مفعوله مقام فاعله وأعترض بأنه لم يثبتعفا الشيء بمعنى تركه وإنما الثابت أعفاه ورد بأنه ورد ونقله أئمة اللغة المعول عليهم في هذا الشأن وهو وإن لم يشتهر إلا أن إسناد المبني للمجهول إلى المفعول الذي هو الأصل يرجح إعتباره ويجعله أولى من المشهور لما أن فيه إسناد المجهول للمصدر وهو خلاف الأصل والقول بأن شيء مرفوع بترك محذوفا يدل عليه عفي ليس بشيء لأنه بعد إعتبار معنى العفو لا حاجة إلى معنى الترك بل هو ركيك كما لا يخفى فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان أي فليكن إتباعأو فالأمر إتباع والمراد وصية العافي بأن لا يشدد في طلب الدية على المعفو له وينظره إن كان معسرا ولا يطالبه بالزيادة عليها والمعفو بأن لا يمطل العافي فيها ولا يبخس منها ويدفعها عند الإمكان وإلى هذا ذهب إبن عباس رضي الله تعالى عنه والحسن وقتادة ومجاهد وقيل : المراد فعلى المعفو له الإتباع والأداء والجملة خبر من على تقدير موصوليتها وجواب الشرط على تقدير شرطيتها وربما يستدل بالآية على أن مقتضى العمد القصاص وحده حيث رتب الأمر بأداء الدية على العفو المرتب على وجوب القصاص وأستدل بها بعضهم على أن الدية أحد مقتضى العمد وإلا لما رتب الأمر بأداء الدية على مطلق العفو الشامل للعفو عن كل الدم وبعضه بل يشترط رضا القاتل وتقييده بالبعض وأعترض بأنه إنما يتم لو كان التنوين في شيء للإبهام أي شيء من العفو أي شيء كان ككله أو بعضه أما لو كان للتقليل فلا إذ يكون الأمر بالأداء مرتبا على بعض العفو ولا شك أنه إذا تحقق عن الدم يصير