بطارد الذين آمنوا وما أنت عليهم بعزيز ففيه إشارة إلى عدم خلود عصاة المؤمنين الداخلين في قوله تعالى : والذين آمنوا أشد حبا لله في النار وإذا أريد من الذين ظلموا الكفار مطلقا دون المشركين فقط كان الحصر حقيقيا ويكون المقصود منه المبالغة في الوعيد بأنه لا يشاركهم في الخلود غيرهم فإن الشركة تهون العقوبات وقيل : إن المقصود نفي أصل الفعل لأنه اللائق بمقام الوعيدلا حصر النفيإذ ليس المقام مقام تردد ونزاع في أن الخارج هم أو غيرهم على الشركة أو الإنفراد وإن كان صحيحا بالنظر إلى العصاة إلا أنه غير إلى ما ترى إفادة للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرجوع إلى الدنيا وزيادةالباءوإخراج ذواتهم من عداد الخارجين لتأكيد النفي وأنت تعلم أنه إذا لم يعتبر في الحصر حال المخاطب لم يبق فيه ما يقال سوى أن ظواهر بعض الآيات تقتضي عدم إرادة الحصر ومن ذلك قوله تعالى : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها فليس القول بعدم الحصر نصا في الإعتزال كما وهم .
ومن باب الإشارة في الآيات إن الصفا أي الروح الصافية عن درن المخالفات والمروة أي النفس القائمة بخدمة مولاها من إعلام دين الله ومناسكه القلبية والقالبية فمن بلغ مقام الوحدة الذاتية ودخل بيت الحضرة الآلهية بالفناء عن السوي أو زار الحضرة بتوحيد الصفات وأتزر بأنوار الجلال والجمال فلا حرج عليه حينئذ أن يطوف بهما ويرجع إلى مقامهما بالوجود الموهوب بعد التمكين المطلوب ومن تبرع خيرا بالتعليم والنصيحة وإرشاد المسترشدين فإن الله يشكر عمله ويعلم جزاءه إن الذين يكتمون ما أفضنا عليهم من أنوار المعارف وهدى الأحوال من بعد ما بيناه للناس في كتاب عقولهم المنورة بنور المتابعة أولئك يبعدهم الله تعالى ويحجبهم عنه ويلعنهم اللاعنون من الملأ الأعلى فلا يمدونهم ومن المستعدين فلا يصحبونهم إلا الذين رجعوا إلى الله تعالى وعلموا أن ما هم فيه إبتلاء منه D وأصلحوا أحوالهم بالرياضة وأظهروا ما أحتجب عنهم بصدق المعاملة فأولئك أقبل توبتهم وأنا الثواب الرحيم .
إن الذين كفروا وأحتجبوا عن الحق وبقوا على إحتجابهم حتى زال إستعدادهم وأنطفأ نور فطرتهم أولئك أستحقوا الطرد والبعد عن الحق وعالم الملكوت خالدين في ذلك لا يخفف عنهم العذاب لرسوخ الأمور الموجبة له فيهم ولا هم ينظرون للزوم تلك الهيآت المظلمة إياهم وإلهكم إله واحد بالذات لا شيء في الوجود غيره فأنى يعبد سواه وهو العدم البحت إن في إيجاد سموات الأرواح وأرض النفوس وإختلاف النور والظلمة بينهما وفلك البدن التي تجري في بحر الإستعداد بما ينفع الناس في كسب كمالاتهم وتكميل نشأتهم وما أنزل الله من سماء الأرواح من ماء العلم فأحيا به أرض النفوس بعد موتها بالجهل وبث فيها القوى الحيوانية وفرق في أفلاكها سيارات عالم الملكوت وتصريف رياح النفحات المحركة لأغصان أشجار الشوق في رياض القلوب وسحاب التجليات المسخر بين سماء الروح وأرض النفس ليمطر قطرات الخطاب على نيران الألباب لتسكن ساعة من الإحتراق بإلتهاب نار الوجد لآيات ودلائل لقوم يعقلون بالعقل المنور بالأنوار القدسية المجرد عن شوائب الوهم ومن الناس من يعبد من دون الله أشياء منعته عن خدمة سيده والتوجه إليه يحبونهم ويميلون إليهم كحبهم لله ويسوون بينهم وبينه سبحانه لأنهم لم يذوقوا لذة محبته ولم يروا نور مشاهدته وحقائق وصله وقربه والذين آمنوا الإيمان الكامل أشد حبا لله لأنهم مستغرقون بمشاهدته هائمون بلذيذ خطابه من عهد ألست بربكم لا يلتفتون إلى سواه طرفة عين فهيهات أن