أو إدعائي فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بإبتغاء مرضاته أولا وجرى العادة الآلهية على أن يؤتى كل أهل ملة وجهة ثانيا ودفع حجج المخالفين ثالثا فإن التولية إلى الكعبة تدفع إحتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة لا الصخرة وهذا النبي يصلي إلى الصخرة فلا يكون النبي الموعود وبأنه صلى الله تعالى عليه وسلم يدعى أنه صاحب شريعة ويتبع قبلتنا وبينهما تدافع لأن عادته سبحانه وتعالى جارية بتخصيص كل صاحب شريعة بقبلة وتدفع إحتجاج المشركين بأنه E يدعى ملة إبراهيم ويخالف قبلته وترك سبحانه التعميم بعد التخصيص في المرتبة إكتفاء بالعموم المستفاد من العلة وزاد من حيث خرجت دفعا لتوهم مخالفة حال السفر لحال الحضر بأن يكون حال السفر باقيا على ما كان كما في الصلاة حيث زيد في الحضر ركعتان أو يكون مخيرا بين التوجهين كما في الصوم .
وقد يقال فائدة هذا التكرار الإعتناء بشأن الحكم لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء وقيل : لا تكرار فإن الأحوال ثلاثة كونه في المسجد وكونه في البلد خارج المسجد وكونه خارج البلد فالأول محمول على الأول والثاني على الثاني والثالث على الثالث ولا يخفى أنه مجرد تشبه لا يقوم عليه دليل .
إلا الذين ظلموا منهم إخراج من الناس وهو بدل على المختار والمعنى عند القائلين : بأن الإستثناء من النفي إثبات لئلا يكون لأحد من الناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا بالعناد فإن لهم عليكم حجة فإن اليهود منهم يقولون ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه وحبا لبلده والمشركين منهم يقولون بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم وتسمية هذه الشبهة الباطلة حجة مع أنها عبارة عن البرهان المثبت للمقصود لكونها شبيهة بها بإعتبار أنهم يسوقونها مساقها وأعترض بأن صدر الكلام لو تناول هذا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الإستثناء لأن الحجة مختصة بالحقيقة ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلا وأجيب بأنه لم يستثن شبهتهم عن الحجة بل ذواتهم عن الناس إلا أنه لزم تسمية شبهتهم حجة بإعتبار مفهوم المخالفة فلا حاجة إلى تناول الصدر إياها وأنت تعلم أن مراد المعترض إن الإستثناء وإن كان من الناس إلا أنه يثبت به ما نفى عن المستثنى منه للمستثنى بناء على أن الإستثناء من النفي إثبات فإن كان الصدر مشتملا على ما أثبت للمستثنى لزم الجمع وإلا لم يتحقق الإستثناء بمقتضاه إذ الثابت للمستثنى منه شيء وللمستثنى شيء آخر ولا محيص للتقصي عن ذلك إلا أن يراد بالحجة المتمسك أو ما يطلق عليه الحجة في الجملة فيتحقق حينئذ الإستثناء بمقتضاه لأن الشبهة حجة بهذا المعنى كالبرهان ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولك أن تحمل الحجة على الإحتجاج والمنازعة كما في قوله تعالى : لا حجة بيننا وبينكم فأمر الإستثناء حينئذ واضح إلا أن صوغ الكلام بعيد عن الإستعمال عند إرادة هذا المعنى وقيل : الإستثناء منقطع وهو من تأكيد الشيء بضده وإثباته بنفيه والمعنى إن يكن لهم حجة فهي الظلم والظلم لا يمكن أن يكون حجة فحجتهم غير ممكنة أصلا فهو إثبات بطريق البرهان على حد قوله : ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم يلام بنسيان الأحبة والوطن وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ألا بالفتح والتخفيف وهي حرف يستفتح به الكلام لينبه السامع إلى الأصغاء و الذين مبتدأ خبره قوله تعالى : فلا تخشوهم والفاء زائدة فيه للتأكيد وقيل : لتضمن المبتدأ