ما يختطفه منهم ما لا يخفى والآية وإن كانت نازلة في الأصنام فقد كانوا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يطلونها بالزعفران ورؤسها بالعسل ويغلقون عليها فيدخل الذباب من الكوي فيأكله وقيل : كانوا يضخمونها بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك إلا أن الحكم عام لسائر المعبودات الباطلة .
ضعف الطالب والطلوب .
73 .
- تذييل لما قيل إخبار أو تعجب والطالب عابد غير الله تعالى والمطلوب الآلهة كما روي عن السدي والضحاك وكون عابد ذلك طالبا لدعائه إياه واعتقاده نفعه وضعفه لطلبه النفع من غير جهته وكون الآخر مطلوبا ظاهرا كضعفه وقيل الطالب الذباب يطلب ما يسلبه عن الآلهة والمطلوب الآلهة على معنى المطلوب منه ما يسلب .
وروي ابن مردوية وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الزمخشري أن الطالب الأصنام والمطلوب الذباب وفي هذا التذييل حينئذ إيهام التسوية وتحقيق أن الطالب أضعف لأنه قدم عليه أن هذا الخلق الأقل هو السالب وذلك طالب خاب عن طلبته ولما جعل السلب المسلوب لهم وأجراهم مجرى العقلاء أثبت لهم طلبا ولما بين أنهم أضعف من أذل الحيوانات نبه به على مكان التهكم بذلك ومن الناس من اختاره الأول لأنه أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقير آلهتهم فناسب إرادتهم وآلهتهم من هذا التذييل .
وما قدروا الله حق قدره قال الحسن والفراء : أي ما عظموه سبحانه حق تعظيمه فإن تعظيمه تعالى حق تعظيمه أن يوصف بما وصف به نفسه ويعبد كما أمر أن يعبد وهؤلاء لم يفعلوا ذلك فإنهم عبدوا من دونه من لا يصلح للعبادة أصلا وفي ذلك وصفه سبحانه بما نزه عنه سبحانه من ثبوت شريك له D .
وقال الأخفش : أي ما عرفوه حق معرفته فإن معرفته تعالى حق معرفته التصديق به سبحانه موصوفا بما وصف به نفسه وهؤلاء لم يصدقوا به كذلك لشركهم به وعبادتهم من دونه من سمعت حاله وقيل : حق المعرفة أن يعرف سبحانه بكنهه وهذا هو المراد في قوله E سبحانك ما عرفناك حق معرفتك .
وأنت تعلم أن الظاهر أن قوله تعالى ما قدروا الخ إخبار عن المشركين وذم لهم ومتى كان المراد منه نفي المعرفة بالكنه كان الأمر مشتركا بينهم وبين الموحدين فإن المعرفة بالكنه لم تقع لأحد من الموحدين أيضا عند المحققين ويشير إلى ذلك الخبر المذكور لدلالته على عدم حصولها لأكمل الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام وإذا لم تحصل له صلى الله عليه وسلّم فعدم حصولها لغيره بالطريق الأولى واحتمال حمل المعرفة المنفية فيه على اكتناه الصفات لا يخفى حاله وكذا احتمال حصول المعرفة بالكنه له E بعد الإخبار النذكور وقوله A تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تفكروا في ذاته فإنكم لن تقدروا قدره .
والظاهر عموم الحكم دون اختصاصه بالمخاطبين إذ ذاك وقول الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه : العجز عن درك الإدراك إدراك وقول علي كرم الله تعالى وجهه متما له بيتا : والبحث عن سر ذات الله إشراك بل قال حجة الإسلام الغزالي وشيخه إمام الحرمين والصوفية والفلاسفة بامتناع معرفته سبحانه بالكنه .
ونقل عن أرسطو أنه قال في ذلك : كما تعتري العين عند التحديق في جرم الشمس ظلمة وكدرة تمنعها عن تمام الإبصار كذلك تعتري العقل عند إرادة اكتناه ذاته حيرة ودهشة تمنعه عن اكتناهه سبحانه