وقوله تعالى ليدخلهم مدخلا يرضونه استئناف مقرر لمضمون قوله سبحانه ليرزقهم الله أو بدل منه مقصود منه تأكيده و مدخلا إما اسم مكان أريد به الجنة كما قال السدي وغيره أو درجات فيها مخصوصة بأولئك المهاجرين كما قيل وقيل هو خيمة من درة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم لها سبعون ألف مصراع أو مصدر ميمي وهو على الإحتمال الأول مفعول ثان للإدخال وعلى الثاني مفعول مطلق ووصفه بيرضونه على الإحتمالين لما أنهم يرون إذا أدخلوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقيل على الثاني : إن رضاهم لما أن إدخالهم من غير مشقة تنالهم بل براحة واحترام .
وقرأ أهل المدينة مدخلا بالفتح والباقون بالضم وإن الله لعليم بالذي يرضيهم فيعطيهم إياه أو لعليم بأحوالهم وأحوال أعدائهم الذين هاجروا لجهادهم حليم .
59 .
- فلا يعاجل أعداءهم بالعقوبة وبهذا يظهر مناسبة هذا الوصف لما قبله وفيه أيضا مناسبة لما بعد ذلك قد حقق أمره ومن عاقب بمثل ما عوقب به أي من جازى الجاني بمثل ما جنى به عليه وتسمية ما وقع ابتداء عقابا مع أن العقاب كما قال غير واحد جزاء الجناية لأنه يأتي عقبها وهو في الأصل شيء يأتي عقب شيء للمشاكلة أو لأن الإبتداء لما كان سببا للجزاء أطلق عليه مجازا مرسلا بعلاقة السببية وقال بعض المحققين : يجوز أن يقال : لا مشاكلة ولا مجاز بناء على أن العرف جار على إطلاقه على ما يعذب به وإن لم يكن جزاء جناية و من موصولة وجوز أن تكون شرطية سد جواب القسم الآتي مسد جوابها والجملة مستأنفة والباء في الموضعين قيل للسبب لا للآلة وإليه ذهب أبو البقاء وقال الخفاجي : باء بمثل آلية لا سببية لئلا يتكرر مع قوله تعالى به والمنساق إلى ذهني القاصر كونها في الموضعين للآلة وفيما ذكره الخفاجي نظر فتأمل .
ثم بغى عليه بالمعاودة إلى العقاب لينصرنه الله على من بغى عليه لا محالة عند كره للإنتقام منه إن الله لعفو غفور .
60 .
- تعليل للنصرة حيث كانت لمن ارتكب خلاف الأولى من العفو عن الحاني المندوب إليه والمستوجب للمدح عنده تعالى ولم ينظر في قوله تعالى فمن عفا وأصلح فأجره على الله وأن تعفوا أقرب للتقوى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور بأن ذلك لأنه لا يلوم على ترك الأولى إذا روعي الشرطية وهي عدم العدوان وفيه تعريض بمكان أولية العفو لأن ذكر الصفتين يدل على أن هناك شبه جناية وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار للإشارة إلى أن ذلك من مقتضى الألوهية .
وحمل الجملة على ما ذكر أحد أوجه ثلاثة ذكرها الزمخشري في بيان مطابقة ذكر العفو الغفور هذا الموضع وثانيها أنه دل بذلك على أنه تعالى قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .
قال في الكشف : فهو أي إن الله الخ على هذا أيضا تعليل للنصرة وأن والمعاقب يستحق فوق ذلك وإنما الإكتفاء بالمثل لمكان عفو الله تعالى وغفرانه سبحانه وفيه إدماج أيضا للحث على العفو وهذا وجه وجيه أه وثالثها أنه دل بذلك على نفي اللوم على ترك الأولى حسبما قرر أولا إلا أن الجملة عليه خبر ثان لقوله تعالى من عاقب بمثل ما عوقب به والخبر الآخر قوله تعالى لينصرنه الله فيكون قد أخبر عنه بأنه لا يلومه على ترك العفو وأنه ضامن لنصره في إخلاله ثانيا بذلك