ولا شك أن صدور خلاف الأكمل لا سيما إذا كان كالتمني أو فوقه أو وقت صدوره مما يقوم مقام ذلك فيما يقتضيه فيلزم حينئذ أن يكون صلى الله تعالى عليه وسلم في كل وحي متوقفا غير جازم بأنه وحي لا تلبيس إلى أن يتضح له E عدم صدور خلاف الأكمل بالنسبة إليه منه وفي ذلك من البشاعة ما فيه .
واعترض على قوله في الجواب أيضا : إن ما قاله ابن العربي قياس مع الفارق الخ بأنه غير حاسم للقيل والقال إذ لنا أن نقول : خلاصة ما أشار إليه ابن العربي أنه قد صح بل تواتر قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي والظاهر أنه لا يتمثل به صلى الله تعالى عليه وسلم أصلا لا للمخلصين ولا لغيرهم لعموم من ولزوم مطابقة التعليل المعلل وإذا لم يتمثل مناما فلأن لا يتمثل يقظة من باب أولى وعلله الشراح بلزوم اشتباه الحق بالباطل .
وقالت الصوفية في ذلك : إن المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وإن ظهر بجميع أسماء الحق تعالى وصفاته تخلقا وتحققا فمقتضى رسالته للخلق أن يكون الأظهر فيه حكما وسلطنة من صفات الحق سبحانه وأسمائه جل شأنه الهداية والاسم الهادي والشيطان مظهر الاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان فلا يظهر أحدهما بصفة الآخر والنبي صلى الله عليه وسلّم خلق للهداية فلو ساغ ظهور إبليس بصورته لزال الإعتماد عليه E فلذلك عصمت صورته A عن أن يظهر بها شيطان أه ولا شك أن نسبة جبريل عليه السلام إليه A وكذا إلى سائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام نسبة النبي A إلى المة فإذا استحال تمثل الشيطان بالنبي يقظة أو مناما لأحد من أمته مخلصا أو غير مخلص خوف الأشتباه وزوال الإعتماد وكمال التضاد فليقل باستحالة تمثله بجبريل عليه السلام لذلك ومن ادعى الفرق فقد كابر .
وتعقب ما ذكره في الجواب السادس بأن كون المتتبع لما يعتقده وحيا للتلبيس غير منقول صحيح إلا أن القول باعتقاد ما ليس قرآنا قرآنا للتلبيس الناشيء عن إرادة التأديب بسبب تمني إيمان الجميع الغير المراد له تعالى ليس به وكون التلبيس كالسهو في الصلاة للتشريع لا يخفى ما فيه .
وأورد على قوله في الجواب السابع : إنه لا إخلال بالوثوق بالقرآن عند الذين أوتوا العلم والذين آمنوا لأن وثوق كل منهما تابع لوثوق متبوعهم الصادق الأمين A أنه إذا فتح باب التلبيس لا يوثق بالوثوق في شيء أصلا لجواز أن يكون كل وثوق ناشئا عن تلبيس كالوثوق بأن تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجي قرآن فلما تطرق الإحتمال الوثوق جاز أن يتطرق الرجوع ولا يظهر فرق بينهما فلا يعول حينئذ على جزم ولا على رجوع وقوله فيما ذكره البيضاوي عليه الرحمة : ليس بشيء ليس بشيء لأن منع الإحتمال عند الفرق الأربع بعد القول بجواز التلبيس مكابرة والآية التي ادعى دلالتها على انتفاء الإحتمال عند فريقين بعد النسخ والأحكام فيها أيضا ذلك الإحتمال والحق أنه لا يكاد يفتح باب قبول الشرائع ما لم يسد هذا الباب .
ولا يجدي نفعا كون الحكمة المشار إليها بقوله تعالى والله عليم حكيم آبية عن بقاء التلبيس فلا أقل من أن يتوقف قبول معظم ما يجيء به النبي E إلى أن يتبين كونه ليس داخلا في باب التلبيس