بسوء : وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال في الآية حدثنا رجل سمعه من عقب المهاجرين والأنصار أنهم أخبروه أن أيما أحد أراد به ما أراد أصحاب الفيل عجل لهم العقوبة في الدنيا وقال : إنما يوفى استحلاله من قبل أهله وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا ما ينفعك في هذا المطلب وحد بعضهم الحرم بقوله : وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت أتقانه وسبعة أميال عراق وطائف وجدة عشر ثم تسع جعرانه ومن يمن سبع بتقديم سينه وقد كملت فاشكر لربك إحسانه وأما المسجد الحرام فيطلق على الحرم كله عند عطاء فيكون وحده ما ذكر وفي البحر العميق عن أبي هريرة قال : إنا لنجد في كتاب الله تعالى أن حد المسجد الحرام إلى آخر المسعى وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزوة إلى مخرج مسيل جباد وقد ذكروا أن طول المسجد اليوم أربعمائة ذراع وأربعة أذرع وعرضه ثلثمائة ذراع وحكى أنه لم يكن كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يكن له جدار يحيط به فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ثم أحاط عليه جدارا قصيرا دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه ثم لما استخلف عثمان اشترى دورا أيضا ووسع بها وبنى المسجد والأروقة ثم إن عبد الله بن الزبير زاد سنة بضع وستين في المسجد زيادة كثيرة في خلافته ومن ذلك بعض دار الأزرقي اشتراه بسبعة آلاف دينار ثم عمره بعد ذلك عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جدار المسجد وحمل إليه أعمدة الحجارة والرخام ثم إن المنصور زاد في شقه الشامي وبناه وجعل فيه أعمدة من الرخام ثم زاد المهدي بعده مرتين وكانت الكعبة في جانب المسجد فأحب أن تكون في الوسط فاشترى دورا وزاد في المسجد ووسطها كذا ذكره النووي .
وفي البحر العميق أن زيادة المهدي هي التي تلي دار الندوة خلف مقام الحنفي ثم لما انتهت الدولة إلى سلاطين آل عثمان أبقى الله تعالى دولتهم ما دام الدوران لم يألوا جهدا في خدمته والسعي في مرمته .
وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت أي اذكر لهؤلاء الكفرة الذين يصدون عن سبيل الله تعالى والمسجد الحرام وقت جعلنا مكان البيت مباءة لجدهم إبراهيم عليه السلام أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعيادة ويقال بوأه منزلا إذا أنزله فيه ولما لزمه جعل الثاني مباءة للأول جيء باللام فهي للتعدية و مكان مفعول به .
وقال الزجاج : المعنى بينا له مكان البيت ليبينه ويكون مباءة له ولعقبه يرجعون إليه ويحجونه والأول مروي عن ابن عباس وقيل : اللام زائدة في المفعول به و مكان ظرف لبوأنا واعترض بأن اللام إنما تزاد إذا قدم المعمول أو كان العامل فرعا وشيء منهما غير متحقق ههنا وأن مكان البيت ظرف معين فحقه أن يتعدى الفعل إليه بفي وفيه نظر كما يعلم من كتب العربية وقيل : مفعول بوأنا محذوف أي بوأنا الناس واللام في لإبراهيم لام العلة أي لأجل إبراهيم أي كرامة له والمعول عليه ما قدمنا وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المراد تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر غير مرة والمكان المتعارف ويمنعه من النزول وللعلماء فيه مذاهب وليس هذا مكان تحقيقها وأصل البيت مأوى الإنسان بالليل ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومن مدر ومن صوف ووبر ويعبر عن مكان الشيء ببيته والمراد بالبيت بيت الله D الكعبة المكرمة وقد بنيت خمس مرات أحدها بناء الملائكة عليهم السلام قبل آدم وكانت من ياقوتة حمراء ثم رفع ذلك البناء إلى السماء أيام الطوفان والثانية لناء إبراهيم عليه السلام روي أنه تعالى لما أمره ببناء البيت لم يدر أين يبني فأرسل الله تعالى له الريح الخجوج فكشف عن أسه القديم فبنى عليه والثالثة بناء قريش في الجاهلية وقد حضره النبي A وكان شابا فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فأراد كل قبيلة أن يتولى رفعه ثم توافقوا على أن يحكم بينهم أول رجل يخرج من هذه السكة فكان رسول الله A أول من خرج فقضى بينهم أن يجعلوه في مرط ثم يرفعه جميع القبائل فرفعوه ثم ارتقى A فرفعوه إليه فوضعه مكانه وكانوا يدعونه عليه السلام الأمين وكان ذلك قبل المبعث فيما قيل بخمس عشرة سنة والرابعة بناء عبد الله بن الزبير والخامسة بناء الحجاج وهو البناء الموجود اليوم وارتفاعها في السماء سبعة وعشرون ذراعا وربع ذراع والذراع أربع وعشرون أصبعا والأصبع ست شعيرات والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون : وأما طولها في الأرض فمن الركن اليماني إلى الركن الأسود خمسة وعشرون ذراعا وكذا ما بين اليماني والغربي وأما عرضها فهو من الركن اليماني إلى الركن الأسود عشرون ذراعا وطول الباب ستة أذرع وعشرة أصابع وعرضه أربعة أذرع والباب في جدارها الشرقي وهو من خشب الساج مضبب بالصفائح من الفضة وارتفاع ما تحت عتبة الباب من الأرض أربعة أذرع وثلاث أصابع والميزاب في وسط جدار الحجر وعرض الملتزم وهو ما بين الباب والحجر الأسود أربعة أذرع وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاثة أذرع إلا سبعا وعرض القدر الذي بدر منه شبر وأربع أصابع مضمومة وعرض المستجاد وهو بين الركن اليماني إلى الباب المسدود في ظهر الكعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع وخمس أصابع وعرض الباب المسدود ثلاثة أذرع ونصف ذراع وطوله أكثر من خمسة أذرع وأما الحجر ويسمى الحطيم والحظيرة فعلى هيئة نصف دائرة من صوب الشام والشمال بين الركن العراقي والشامي وحده من جدار الكعبة الذي تحت الميزاب إلى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وثماني أصابع منها سبعة أذرع أو ستة وشبر من أرض الكعبة والباقي كان زربا لغنم سيدنا إسماعيل عليه السلام فأدخلوه في الحجر وما بين بابي الحجر عشرون ذراعا وعرض جدار الحجر ذراعان وذرع تدوير جدار الحجر من داخله ثمانية وثلاثون ذراعا ومن خارجه أربعون ذراعا وست أصابع وارتفاع جدار الحجر ذراعان فذرع الطوق وحده حوالي إلى الكعبة والحجر مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا وهذا على ما ذكره الإمام حسين بن محمد الآدمي في رسالة له في ذلك والعهدة عليه وأنا لنرجوا من رب البيت أن يوفقنا لزيارة بيته وتحقيق ذلك بلطفه وكرمه و أن في قوله تعالى أن لا تشرك بي شيئا قيل مفسرة والتفسير باعتبار أن التبوئة من أجل العبادة فكأنه قيل أمرنا إبراهيم عليه السلام بالعبادة وذلك فيه معنى القول دون حروفه أو لأن بوأناه بمعنى قلنا له تبوأ وقال ابن عطية : مخففة من الثقيلة وكأنه لتأويل بوأناه بأعلمناه فلا يرد عليه أنه لا بد أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح