والإفراد لما أن المرئي في الأول هي الزلزلة التي يشاهدها الجميع وفي الثاني حال من عدا المخاطب منهم فلا بد من إفراد المخاطب على وجه يعم كل واحد منهم لكن من غير اعتبار اتصافه بتلك الحالة فإن المراد بيان تأثير الزلزلة في المرئي لا في الرائي باختلاف مشاعره لأن مداره حيثية رؤيته للزلزلة لا لغيرها كأنه قيل وتصير الناس سكارى الخ وإنما أوثر عليه ما في التزيل للإيذان بكمال ظهور تلك الحال فيهم وبلوغها من الجلاء إلى حد لا يكاد يخفى على أحد قاله غير واحد .
وجوز بعضهم كون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم والأول أبلغ في التهويل والرؤية بصرية و الناس مفعولها وقوله تعالى سكارى حال منه أي يراهم كل واحد متشابهين للسكارى وقوله تعالى وما هم بسكارى أي حقيقة حال أيضا لكنها مؤكدة والحال المؤكد تقترن بالواو لا سيما إذا كانت جملة اسمية فلا يقال : إنه إذا كان معنى قوله تعالى ترى الناس سكارى على التشبيه يكون وما هم بسكارى بالمعنى المذكور مستغنى عنه ولا وجه لجعله حالا مؤكدة لمكان الواو وجوز أن يكون ترى بمعنى تظم فسكارى مفعول ثان وحينئذ يجوز أن يكون الكلام على التشبيه والجملة الإسمية في موضع الحال المؤكدة ويجوز أن يكون على الحقيقة تأكيدها فلا تأكيد هنا وأمر إفراد الخطاب وما فيه من المبالغة بحاله وأياما كان فالمراد في قوله تعالى وما هم بسكارى استمرار النفي وأكيد بزيادة الباء للتنبيه على أن ما هم فيه من المعهود في شيء وإنما هو أمر لم يعهدوا قبله مثله وأشير إلى سببه بقوله تعالى ولكن عذا الله شديد .
2 .
- أي إن شدة عذابه تعالى تجعلهم كما ترى وهو استدراك على ما في الإنتصاف راجع إلى قوله تعالى وما هم بسكارى وزعم أبو حيان أنه استدراك عن مقدر كأنه قيل هذه أي الذهول والوضع ورؤية الناس سكارى أحوال هينة ولكن عذاب الله شديد وليس بهين وهو خلاف الظاهر جدا .
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ترى بضم التاء وكسر الراء أي ترى الزلزلة الخلق جميع الناس سكارى وقرأ الزعفراني ترى بضم التاء وفتح الراء الناس بالرفع على إسناد الفعل المجهول إليه والتأنيث على تأويل الجماعة وقا أبو هريرة وأبو رزعة وابن جرير وأبو نهيك كذلك إلا أنهم نصبوا الناس وترى على هذا متعد إلى ثلاثة مفاعيل كما في البحر الأول الضمير المستتر وهو نائب الفاعل والثاني الناس والثالث سكارى وقرأ أبو هريرة وابن نهيك سكارى بفتح السين في الموضعين وهو جمع تكسير واحده سكران وقال أبو حاتم : هي لعة تميم وأخرج الطبراني وغيره عن عمران بن حصين أن رسول الله A قرأ سكرى كعطشى في الموضعين وكذلك روى أبو سعيد الخدري وهي قراءة عبد الله وأصحابه وحذيفة وبها قرأ الإخوان وابن سعدان ومسعود بن صالح وتجمع الصفة على فعلى إذا كانت من الآفات والأمرات كقتلى وموتى وحمقى ولكون السكر جار مجرى ذلك لما فيه من تعطيل القوى والمشاعر جمع هذا الجمع فهو جمع سكران وقال أبو علي الفارسي : يصح أن يكون جمع سكر كزمني وزمن وقد حكى سيبويه رجل سكر بمعنى سكران وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة وابن جبير والأعمش سكرى بضم السين فيهما قال الزمخشري : وهو غريب وقال أبو الفتح : هو اسم مفرد كالبشرى