توكله على الله تعالى ولذا قال عليه السلام حين قال له جبريل عليه السلام : ألك حاجة أما إليك فلا ففهمناها سليمان فيه إشارة إلى أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا تعلق له بالصغر والكبر فكم من صغير أفضل من كبير بكثير وكلا آتينا حكما قبل معرفة بأحكام الربوبية وعلما معرفة بأحكام العبودية وسخرنا مع داود الجبال يسبحن قيل كان عليه السلام يخلو في الكهوف لذكره تعالى وتسبيحه فيشاركه في ذلك الجبال ويسبحن معه وذكر بعضهم أن الجبال لكونها خالية عن صنع الخلق حالية بأنوار قدرة الحق يحب العاشقون الحلو فيها ولذا تحنث صلى الله عليه وسلّم في غار حراء .
واختار كثير من الصالحين الإنقطاع للعبادة فيها وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ذكر أنه عليه السلام قال ذلك حين قصدت دودة قلبه ودودة لسانه فخاف أن يشغل موضع فكره وموضع ذكره وقال جعفر : كان ذلك منه عليه السلام استدعاء للجواب من الحق سبحانه ليسكن إليه ولم يكن شكوى وكيف يشكو المحب حبيبه وكل ما فعل المحبوب وقد حفظ عليه السلام آداب الخطاب وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه قيل إن ذلك رشحة من دن خمر الدلال وذكروا أن مقام الدل دون مقام العبودية المحضة لعدم فناء الإرادة فيه ولذا نادى عليه السلام لا إليه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أي حيث اختلج في سري أن أريد غيره ما أردت وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين قيل إنه عليه السلام أراد ولدا يصلح لأن يكون محلا لإفشاء الأسرار الإلهية إليه فإن العارف متى كان فردا غير واحد من يفشي إليه السر ضاق ذرعه ويدعوننا رغبا ورهبا قيل أي رغبة فينا ورهبة عما سوانا أو رغبة في لقائنا ورهبة من الإحتجاب عنا وكانوا خاشعين .
قال أبو زيد : الخشوع خمود القلب عن الدعاوي وقيل الفناء تحت أذيال العظمة ورداء الكبرياء وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق وهو A رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة ويشترك الجميع في أنه E سبب لوجودهم بل قالوا : إن العالم كله مخلوق من نوره A وقد صرح بذلك الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره في قوله تعالى وقد تقدم غير مرة : طه النبي تكونت من نوره كل الخليقة ثم لو ترك القطا وأشار بقوله لو ترك القطا إلى أن الجميع من نوره E وجه الإنقسام إلى المؤمن والكافر بعد تكونه فتأمل هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل حظنا من رحمته الحظ الوافر وأن ييسر لنا أمور الدنيا والآخرة بلفظه المتواتر .
سورة الحج .
أخرج ابن مردوية عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنها نزلت بالمدينة وهو قول الضحاك وقيل كلها مكية وأخرج أبو جعفر النحاس عن مجاهد عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات هذان خصمان إلى تمام الآيات الثلاث فإنها نزلت بالمدينة وفي رواية عن ابن عباس إلا أربع آيات هذان خصمان إلى قوله تعالى : عذاب الحريق