عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم وشاع أن عبد الله بن الزبعري القرشي اعترض بذلك قبل إسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له E : يا غلام ما أجهلك بلغة قومك لأبي قلت وما تعبدون وما لما لم يعقل ولم أقل ومن تعبدون وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف بأنه أشهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم وهو لا أصل له ولم يوجد في شيء من كتب الحديث مسندا ولا غير مسند والوضع عليه ظاهر والعجب ممن نقله من المحدثين انتهى ويشكل على ما قلنا ما أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابم مردوية والطبراني عن ابن عباس قال : لما نزل إنكم وما تعبدون الخ شق ذلك على أهل مكة وقالوا : أتشتم آلهتنا فقال ابن الزبغري : أنا أخصم لكم محمدا أدعوه لي فدعي E فقال : يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله تعالى قال : بل لكل من عبد من دون الله تعالى فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم يا محمد أن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح وأن الملائكة صالحون قال : بلى قال : فهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا وهذه بنو مليح تعبد الملائكة فضج أهل مكة وفرحوا فنزلت إن الذين سبقت لهم منا الحسنة الخ ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون الخ وجاء في روايات أخر ما يعضده فإن ظاهر ذلك أن ما هنا شامل للعقلاء وغيرهم وأجيب بأن الشمول للعقلاء الذي ادعاه رسول الله A كان بطريق دلالة النص بجامع الشركة في المعبودية من دون الله تعالى فلما أشار A إلى عموم الآية بطريق الدلالة اعترض ابن الزبعري بما اعترض وتوهم أنه قد بلغ الغرض فتولى الله تعالى الجواب بنفسه بقوله D إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية وحاصله تخصيص العموم المفهوم من دلالة النص بما سوى الصلحاء الذين سبقت لهم الحسنى فيبقى الشياطين الذين عبدوا من دون الله سبحانه داخلين في الحكم بحكم دلالة النص فيفيد النص بعد هذا التخصيص عبارة ودلالة حكم الأصنام والشياطين ويندفع الإعتراض وقال بعضهم : إن ما تعم العقلاء وغيرهم وهو مذهب جمهور أئمة اللغة كما قال العلامة الثاني في التلويح ودليل ذلك النص والإطلاق والمعنى أما النص فقوله تعالى وما خلق الذكر والأنثى وقوله سبحانه والسماء وما بناها وقوله سبحانه ولا أنتم عابدون ما أعبد وأما الإطلاق فمن وجهين الأول أن ما قد تطلق بمعنى الذي باتفاق أهل اللغة والذي يصح إطلاقه على من يعقل بدليل قولهم الذي جاء زيد فما كذلك الثاني أنه يصح أن يقال ما في داري من العبيد أحرار وأما المعنى فمن وجهين أيضا الأول أن مشركي قريش كما جاء من عدة طريق عن ابن عباس لما سمعوا هذه الآية اعترضوا بعيسى وعزير والملائكة عليهم السلام وهم من فصحاء العرب فلو لم يفهموا العموم لما اعترضوا الثاني أن ما مختصة بغير العالم لما احتيج إلة قوله تعالى من دون الله وحيث كانت بعمومها متنازلة له D احتيج إلى التقييد بقوله سبحانه من دون الله وحينئذ تكون الآية شاملة عبادة لأولئك الكرام عليهم الصلاة والسلام ويكون الجواب الذي تولاه الله تعالى بنفسه جوابا بالتخصيص وفي ذلك حجة للشافعي في قوله بجواز تخصيص العام بكلام مستقل متراخ خلافا للحنفية وأجيب بأن ما ذكر من النصوص والإطلاقات فغايته جواز إطلاق ما على من يعلم ولا يلزم من ذلك