وعن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طوبى لأهل الشام فقلت : وما ذاك يا رسول الله قال : لأن الملائكة عليهم السلام باسطة أجنحتها عليها أخرجه الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وأما العراق فقد ذكر الغزالي عليه الرحمة في باب المحنة من الأحياء اتفاق جماعة من العلماء على ذمه وكراهة سكناه واستحباب الفرار منه ولعل وجه ذلك غني عن البيان فلا ننقب فيه البنان .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة أي عطية كما روي عن مجاهد وعطاء من نفله بمعنى أعطاه وهو على ما اختاره أبو حيان كالعاقبة والعافية منصوبا بوهبنا على حد قعدت جلوسا واختار جمع كونه حالا من إسحاق ويعقوب أو ولد ولد أو زيادة على ما سأل عليه السلام وهو إسحاق فيكون حالا من يعقوب ولا لبس فيه للقرينة الظاهرة وكلا من المذكورين وهم إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب عليهم السلام لا بعضهم دون بعض جعلنا صالحين .
72 .
- بأن وفقناهم للصلاح في الدين والدنيا فصاروا كاملين وجعلناهم أئمة يقتدى بهم في أمور الدين يهدون أي الأمة إلى الحق بأمرنا لهم بذلك وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين وأوحينا إليهم فعل الخيرات ليتم الكمال بانضمام العمل إلى العلم وأصله على ما ذهب إليه الزمخشري ومن تابعه أن يفعل الخيرات ببناء الفعل لما لم يسم فاعله ورفع الخيرات على النيابة عن الفاعل ثم فعلا الخيرات بتنوين المصدر ورفع الخيرات أيضا على أنه نائب الفاعل لمصدر المجهول ثم فعل الخيرات بحذف التنوين وإضافة المصدر لمعموله القائم مقام فاعله والداعي لذلك كما قيل أن فعل الخيرات بالمعنى المصدري ليس موحي إنما الموحي أن يفعل ومصدر المبني للمفعول والحاصل بالمصدر كالمترادفين وأيضا الوحي عام للأنبياء المذكورين عليهم السلام وأممهم فلذا بني للمجهول .
وتعقب ذلك أبو حيان بأن المصدر لما لم يسم فاعله مختلف فيه فأجاز ذلك الأخفش والصحيح منعه وما ذكر من عموم الوحي لا يوجب ذلك هنا إذ يجوز أن يكون المصدر مبنيا للفاعل ومضافا من حيث المعنى إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم أي فعل المكلفين الخيرات ويجوز أن يكون مضافا إلى الموحي إليهم إلى أن يفعلوا الخيرات وإذا كانوا قد أوحي إليهم ذلك فاتباعهم جارون مجراهم في ذلك ولا يلزم اختصاصهم به انتهى وانتصر للزمخشري بأن ما ذكره بيان لأمر مقرر في النحو والداعي إليه أمران ثانيهما ما ذكر من عموم الموحي الذي اعترض عليه والأول سالم عن الإعتراض ذكر أكثر ذلك الخفاجي ثم قال : الظاهر أن المصدر هنا للأمر كضرب الرقاب وحينئذ فالظاهر أن الخطاب للأنبياء عليهم السلام فيكون الموحي قول الله تعالى افعلوا الخيرات وكان ذلك لأن الوحي مما فيه معنى القول كما قالوا فيتعلق به لا بالفعل إلا أنه قيل يرد عليه ما أشير أولا إليه من أن ما ذكر ليس من الأحكام المختصة بالأنبياء عليهم السلام ولا يخفى أن الأمر فيه سهل وجوز أن يكون المراد شرعنا لهم فعل ذلك بالإيحاء إليهم فتأمل والكلام في قوله تعالى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة على هذا الطرز وهو كما قال غير واحد من عطف الخاص على العام دلالة على فضله وإنافته وأصل إقام أقوام فقلبت واوه ألفا بعد نقل حركتها لما قبلها وحذف إحدى ألفيه لالتقاء الساكنين والأكثر تعويض التاء إليه سيبويه والسماع ويشهد له وإما بشرط الإضافة ليكون المضاف سادا مسدها كما ذهب إليه الفراء وهو كما قال أبو حيان مذهب مرجوح والذي حسن الحذف هنا المشاكلة والآية ظاهرة في أنه كان في الأمم السالفة صلاة وزكاة وهو مما تضافرت عليه النصوص إلا أنهما ليسا كالصلاة والزكاة المفروضتين على هذه الأمة المحمدية على نبيها أفضل الصلاة وأكمل التحية وكانوا لنا خاصة دون غيرنا عابدين .
73 .
- لا يخطر ببالهم غير عبادتنا كأنه تعالى أشار بذلك إلى أنهم وفوا بعهد العبودية بعد أن أشار إلى أنه سبحانه وفى لهم بعهد الربوبية ولوطا قيل هو منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى آتيناه أي وآتينا لوطا آتيناه والجملة عطف على وهبنا له جمع سبحانه إبراهيم ولوطا في قوله تعالى ونجيناه ولوطا ثم بين ما أنعم به على كل منهما بالخصوص وما وقع في البين بيان على وجه العموم والطبرسي جعل المراد من قوله تعالى : وكلا الخ أي كلا من إبراهيم وولديه إسحاق ويعقوب جعلنا الخ فلا اندراج للوط عليه السلام هناك وله وجه وأما كون المراد وكلا من إسحاق ويعقوب فلا وجه له ويحتاج إلى تكليف توجيه الجمع فيما بعده وقيل باذكر مقدارا وجملة آتيناه مستأنفة حكما أي حكمة والمراد بها ما يجب فعله أو نبوة فإن النبي حاكم على أمته أو الفصل بين الخصوم في القضاء وقيل حفظ صحف إبراهيم عليه السلام وفيه بعد وعلما بما ينبغي علمه للأنبياء عليهم السلام ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث قيل أي اللواطة والجمع باعتبار تعدد المواد وقيل المراد الأعمال الخبيثة مطلقا إلا أن أشنعها اللواطة فقد أخرج إسحاق بن بشير والخطيب وابن عساكر عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشر خصال عملتها قوم لوط بها أهلكوا إتيان الرجال بعضهم بعضها ورميهم بالجلاهق والجدف ولعبهم بالحمام وضرب الدفوف وشرب الخمور وقص اللحية وطول الشارب والصفر والتصفيق ولباس الحرير وتزيدها أمتي بخلة إتيان النساء بعضهن بعضا .
وأسند ذلك إلى القرية على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فالنعت سببي نحو جاءني رجل زنى غلامه ولو جعل الإسناد مجازيا بدون تقدير أو القرية مجازا عن أهلها جاز واسم القرية سدوم وقيل كانت قراهم سبعا فعبر عنها ببعضها لأنها أشهرها وفي البحر أنه عبر عنها بالواحدة لاتفاق أهلها على الفاحشة ويروى أنها كانت قلبت الأزغر لأنها كانت محل من آمن بلوط عليه السلام والمشهور قلب الجميع .
إنهم كانوا قوم سوء فاسقين .
74 .
- أي خارجين عن الطاعة غير منقادين للوط عليه السلام والجملة تعليل لتعمل الخبائب وقيل : لنجيناه وهو كما ترى وأدخلناه في رحمتنا أي في أهل رحمتنا أي جعلناه في جملتهم وعدادهم فالظرفية مجازية أو في جنتنا فالظرفية حقيقية والرحمة مجاز كما في حديث الصحيحين قال الله D للجنة : أنت رحمتي أرحم أرحم بك من أشاء من عبادي ويجوز أن تكون الرحمة مجازا عن النبوة تكون الظرفية مجازية أيضا فتأمل إنه من الصالحين .
75 .
- الذين سبقت لهم منا الحسنى والجملة تعليل لما قبلها .
ونوحا أي واذكر نوحا أي نبأه عليه السلام وزعم ابن عطية أن نوحا عطف على لوطا المفعول لآتينا على معنى وآتينا نوحا ولم يستبعد ذلك أبو حيان وليس بشيء قيل ولما ذكر سبحانه قصة إبراهيم عليه السلام وهو أبو العرب أردفها جل شأنه بقصة أبي البشر وهو الأب الثاني كما أن آدم عليه السلام الأب الأول بناء على المشهور من