الكواكب التي نعرفها ولا على قطبين غير قطبيهما وإلا لكان يرى مسيرة فوق الأرض على دائرة مقاطعة للدوائر المتوازية ولم تكن دائرة نصف النهار تفصل الزمان الذي من حين يطلع إلى حين يغرب بنصفين لأن قطبي فلكه المائل لا يكون دائما على دائرة نصف النهار فلا تنفصل قسى مداراته الظاهرة بنصفين ولأنه لو كان الأمر كما توهموا لكانت الشمس تصل إلى أوجها وحضيضها وبعديها الأوسطين بل إلى الشمال والجنوب فيجب أن تحصل جميع الأظلال اللائقة بكون الشمس في هذه المواضع في اليوم الواحد والوجود بخلافه .
وقول من قال يجوز أن يكون حركة الشمس في دائرة البروج إلى المغرب ظاهر الفساد لأنه لو كان كذلك لكان اليوم الواحد بليلته ينقص عن دور معدل النهار بقدر القوس التي قطعتها الشمس بالتقريب بخلاف ما هو الواقع لأنه يزيد على دور المعدل بذلك القدر ولكان يرى قطعها البروج على خلاف التوالي وليس كذلك لتأخرها عن الجزء الذي يتوسط معها من المعدل في كل يوم نحو المشرق فإذا حركات الأفلاك الشاملة للأرض ثنتان حركة إلى التوالي وأخرى إلى خلافه وأما حركات التداوير فخارجة عن القسمين لأن حركات أعاليها مخالفة لحركات أسافلها لا محالة لكونها غير شاملة للأرض فإن كانت حركة الأعلى من المغرب إلى المشرق فحركة الأسفل بالعكس كما في المتحيرة وإن كانت حركة الأعلى من المشرق إلى المغرب كانت حركة الأسفل بالعكس كما في القمر هذا وقصارى ما نقول في هذا المقام : إن ما ذكره الفلاسفة في أمر الأفلاك الكلية والجزئية وكيفية حركتها وأوضاعها أمر ممكن في نفسه ولا دليل على أنه هو الواقع لا غير وقد ذهب إلى خلافه أهل لندن وغيرهم من أصحاب الأرصاد اليوم وكذا أصحاب الأرصاد القلبية والمعارج المعنوية كالشيخ الأكبر قدس سره وقد أطال الكلام في ذلك في الفتوحات المكية وأما السلف الصالح فلم يصح عنهم تفصيل الكلام في ذلك لما أنه قليل الجدوى ووقفوا حيث صح الخبر وقالوا : إن اختلاف الحركات ونحوه بتقدير العزيز العليم وتشبثوا فيما صح وخفي سببه فأذيال التسليم والذي أميل إليه أن السماوات على طبق ما صحت به الأخبار النبوية في أمر الثخن وما بين كل سماء وسماء ولا أخرج عن دائرة هذا الميل وأقول يجوز أن يكون ثخن كل سماء فلك لكل واحدة من السيارات على نحو الفلك الذي أثبته الفلاسفة لها وحركته الذاتية على نحو حركته عندهم وحركته العرضية بواسطة حركة سمائه إلى المغرب الحركة اليومية فتكون حركة السماوات متساوية وأن أبيت تخرك السماء بجميع ما فيها لإباء بعض الأخبار عنه مع عدم دليل قطعي يوجبه قلت : يجوز أن يكون هناك محرك في ثخن السماء أيضا ويبقى ما يبقى منها ساكنا بقدرة الله تعالى على سطحه الأعلى ملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون وللفلاسفة في تحقيق أن المحيط كيف يحرج المحاط به كلام تعقبه الإمام ثم قال : الصحيح أن المحرك للكل هو الله تعالى باختياره وإن ثبت على قانون قولهم كون الحاوي محركا للمحوي فإنه يكون محركا بقوة نفسه لا بالمماسة وأما الثوابت فيحتمل أن تكون في فلم فوق السماوات السبع ويحتمل أن يكون في ثخن السماء السابعة فوق فلم زحل بل إذا قيل بأن جميع الكواكب الثوابت والسيارات في ثخن السماء الدنيا تتحرك على أفلاك مماثلة للأفلاك التي أثبتها لها الفلاسفة ويكون لها حركتان على نحو ما يقولون لم يبعد وفيه حفظ لظاهر قوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وما ذكروه في علم الأجرام والأبعاد على اضطرابه لا يلزمنا تسليمه فلا يرد أنهم قالوا بعد