معجز فقد يكون سحرا هذا إذا ساعدنا على أن فصاحة القرآن خارجة عن العادة لكنا عن تسليم هذه المقدمة بمراحل فإنا ندعى أنه في غاية الركاكة وسوء النظم كأضعاث أحلام سلمنا ولكنه من جنس كلام الأوساط افتراه من عنده سلمنا أنه كلام فصيح لكنه لا يتجاوز فصاحة الشعر وإذا كان حال هذا المعجز هكذا فليأتنا بآية لا يتطرق إليها شيء من هذه الإحتمالات كما أرسل الأولون انتهى وهو كما ترى .
وما موصولة في محل الجر بالكاف والجملة بعدها صلة والعائد محذوف والجار والمجرور متعلق بمقدر وقع صفة لآية أي فليأتنا بآية مثل الآية التي أرسل بها الأولون ولا يضر فقد بعض شروط جواز حذف العائد المجرور بالحرف إذ لا اتفاق على اشتراط ذلك ومن اشترط اعتبر العائد المحذوف هنا منصوبا من باب الحذف والإيصال وهو مهيع واسع وأرادوا بالآية المشبه بها كما روي عن ابن عباس رض الله تعالى عنهما الناقة والعصا ونحوهما وكان الظاهر أن يقال فليأتنا بما أتي به الأولون أو بمثل ما أتي به الأولون إلا أنه عدل عنه إلى ما في النظم الكريم لدلالته على ما دل عليه مع زيادة كونه مرسلا به من الله D وفي التعبير في حقه صلى الله عليه وسلّم بالإتيان والعدول عن الظاهر فيما بعده إيماء إلى أن ما أتي به A من عنده وما أتي به الأولون من الله تبارك وتعالى ففيه تعريض مناسب لما قبله من الإفتراء قاله الخفاجي وذكر أن ما قيل أن العدول عن كما أتي به الأولون لأن مرادهم قتراح آية مثل آية موسى وآية عيسى عليهما السلام لا غيرهما مما أتي به سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن العلامة البيضاوي أشار إلى ذلك مما لا وجه له وجوز أن تكون ما مصدرية والكاف منصوبة على أنها مصدر تشبيهي أي نعت لمصدر محذوف أي فليأتنا بآية إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين بها وصحة التشبيه من حيث أن المراد مثل إتيان الأولين بها لأن إرسال الرسل عليهم السلام متضمن الإتيان المذكور كما في الكشاف وفي الكشف أنه يدل على أن قوله تعالى كما أرسل الأولون كناية في هذا المقام وفائدة العدول بعد حسن الكناية تحقيق كونها آية مسلمة بمثلها تثبت الرسالة لا تنازع فيها ويترتب المقصود عليها والقول بأن الإرسال المشبه به مصدر المجهول ومعناه كونه مرسلا من الله تعالى بالآيات لا يسمن ولا يغني في توجيه التشبيه لأن ذلك مغاير للإتيان أيضا وإن لم ينفك عنه وقيل يجوز أن يحمل النظم الكريم على أنه أريد كل واحد من الإتيان والإرسال في كل واحد من طرفي التشبيه لكنه ترك في جانب المشبه ذكر الإرسال وفي جانب المشبه به ذكر الإتيان اكتفاء بما ذكر في كل موطن عما ترك في الموطن الآخر ولا يخفى بعده ثم أن الظاهر أن إقرارهم بإرسال الأولين ليس عن صميم الفؤاد بل هو أمر اقتضاه اضطرابهم وتحيرهم وذكر بعض الأجلة أن مما يرجح الحمل على أن ما تقدم حكاية أقوالهم المضطربة هذه الحكاية لأنهم منعوا أولا أن يكون الرسول بشرا وبنوا القول به وبنوا ما بنوا ثم سلموا أن الأولين كانوا ذوي آيات وطالبوه E بالإتيان بنحو ما أتوا به منها وعلى وجه التنزيل لأقوالهم على درج الفساد يحمل هذا على أنه تنزل منهم والعدول إلى الكناية لتحقيق تنزله عن شأوهم انتهى فتأمل ولا تغفل .
ما آمنت قبلهم من قرية كلام مستأنف مسوق لتكذيبهم فيما ينبيء عنه خاتمة مقالهم من الوعد الضمني بالإيمان عند إتيان الآية المقترحة وبيان أنهم في اقتراح ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه