لأن كون ذلك نهاية باعتبار أن النصف الأول انتهى عنده وهو خارج عنه وبداية باعتبار أن النصف الثاني ابتدأ منه وهو داخل فيه ولاشك في بعد كون الجمع بمثل هذا الأعتبار على أنه لابد مع ذلك من القول بأن اقل الجمع اثنان وأيضا أن اطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فانه ليس طرف له بل لنصفه .
وقيل : هذا تكرير لصلاتي الصبح والمغرب ايذانا باختصاصهما بمزيد مزية والمراد بالنهار مابين طلوع الشمس وغروبها وبالطرف ما يلاصق أول الشئ وإخره والايتان بلفظ الجمع مع أن المراد اثنان لامن اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان ونظيره قول العجاج : ومهمهين فدفدين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين والمرجح المشاكلة لآناء الليل واختار هذا من ادخل الظهر فيما قبل الغروب وفيه أن الطرف حقيقة فيما ينتهى به الشئ وهو منه ويطلق على أوله وآخره وإطلاقه على الملاصق المذكور ليس بحقيقة وأجيب بأنه سائغ شائع وإن لم يكن حقيقة وجوز أن يكون تكريرا لصلاتي الصبح والعصر ويراد بالنهار ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وبالطرف الأول والآخر بحسب العرف وإذا اريد بالنهار ما بين طلوع الشمس وغروبها يبعد هذا التجويز إذ لا يكون الطرفان حينئذ على وتيرة واحدة وقيل : هو أمر بالتطوع في الساعات الأخيرة للنهار وفيه صرف الأمر عن ظاهره مع أن في كون الساعات الأخيرة للنهار زمن تطوع بالصلاة كلاما لا يخفى على الفقيه .
وقال أبو حيان : الظاهر أن قوله تعالى : وسبح بحمد ربك أمر بالتسبيح مقرونا بالحمد وحينئذ إما أن يراد اللفظ أي قل سبحان الله والحمد لله أو يراد المعنى أي نزهه سبحانه عن السوء واثن عليه بالجميل .
وفي خبر ذكره ابن عطية من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه وقال أبو مسلم : لا يبعد حمل ذلك على التنزيه والاجلال والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات وعلى ذلك حمله أيضا العز بن عبد السلام وجعل الباء في قوله سبحانه : بحمد ربك للآلة وقال : أن ذلك لتعيين سلب صفات النقص لأن من سلب شيئا فقد اثبت ضده واضداد صفات النقص صفات الكمال فمن نزهه سبحانه فقد اثبت صفات الكمال وجوز في اضافة الحمد إلى الرب أن تكون من اضافة المصدر إلى الفاعل أو من اضافة المصدر إلى المفعول أو من اضافة الأختصاص بأن يكون الحمد بمعنى المحامد ثم استحسن الأول لأن الحمد الحق الكامل حمد الله تعالى نفسه والمتبادر جعل الباء للملابسة والأضافة من اضافة المصدر إلى المفعول .
واختار الأمام حمل التسبيح على التنزيه من الشرك وقال : أنه اقرب إلى الظاهر والى ما تقدم ذكره لأنه سبحانه صبره اولا على ما يقولون من التكذيب واظهار الكفر والشرك والذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه قوله تعالى عن قولهم : حتى يكون مظهرا لذلك وداعيا اليه واعترض بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر وايجيب بأن المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله تعالى : بالغداة والعشى مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله سبحانه من إناء الليل على أن هذه الدلالة يكفيها أن يقال قبل طلوع الشمس وبعده لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أن المراد خصوصية الوقت ولا يخفى أنه قوله سبحانه من إناء الليل متعلق بسبح الثاني فليكن الأول للتعميم والثاني لتخصيص البعض اعتناء به نعم يرد أن التنزية عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا اريد به قول : سبحانه الله مرادا