ووجه افراده عليه السلام بما ذكر ما مر آنفا وقيل : كونه السائل وكان الظاهر عدم الفصل بين الجوع والظمأ والعرى والضحو للتجانس والتقارب إلا أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة اتم منها وهي أن الجوع خلو الباطن والعرى خلو الظاهر فكانه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس وهو الضحو المورث حرارة الظاهر فكانه قيل : لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر وذلك الوصل الخفي وهو سر بديع من اسرار البلاغة وفي الكشف إنما عدل إلى المنزل تنبيها على أن الشبع والكسوة اصلان وان الاخرين متممان على الترتيب فالامتنان على هذا الوجه اظهر ولهذا فرق بين القرينتين فقيل أولا إن لك وثانيا إنك وقد ذكر هذا العلامة الطيبي أيضا ثم قال : وفي تنسيق المذكورات الأربعة مرتبة هكذا مقدما ما هو الأهم فالاهم ثم في جعلها تفصيلا لمضمون قوله تعالى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وتكرير لفظة فيها واخراجها في صيغة النفي مكررة الأداء الايماء إلى التعريض باحوال الدنيا وان لا بد من مقاساتها فيها لانها خلقت لذلك وان الجنة ما خلقت إلا للتنعم ولا يتصور فيها غيره .
وفي الانتصاف أن في الآية سرا بديعا من البلاغة يسمى قطع النظير عن النظير والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم ولو قرن كل بشكله لتوهم المقرونان نعمة واحده وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا فقال الكندي الأول : كأني لم اركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروى ولم اقل لخيلى كرى كرة بعد إجفال فقطع ركوب الجواد عن قوله لخيله : كرى كرة وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها وتبعه الكندي الآخر فقال : وقفت وما في الموت شك لو اقف كانك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك ضحاك وثغرك باسم وقد اعترض عليه سيف الدولة إذ قطع الشئ عن نظيره فقال له : إن كنت اخطأت بذلك فقد أخطأ امرؤ القيس بقوله وانشد البيتين السابقين وفي الآية سر لذلك أيضا زائد على ما ذكر وهو قصد تناسب الفواصل اه .
وقد يقال في بيتي الأول : إنه جمع بين ركوب الخيل للذة والنزهة وتبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما وجمع بين سبء الزق وقوله لخيله : كرى لما فيهما من الشجاعة ثم ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر في أنه لو عدل عن هذا الترتيب لم يحصل ذلك وهو غير مسلم .
وقرأ شيبه ونافع وحفص وابن سعدان انك بكسر الهمزة وقرأ الجمهور بفتحها على أن العطف على أن لا تجوع وهو في تأويل مصدر اسم لأن وصحة وقوع ما صدر بأن المفتوحة اسما بأن المكسورة المشاركة لها في إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرا لها لما أن المحذور وهو اجتماع حرفي التحقيق في مادة واحدة غير موجود فيما نحن فيه لاختلاف مناطق تحقيق فيما حيزها بخلاف ما لو وقعت خبرا فان اتحاد المناط حينئذ مما لا ريب فيه وبينه على ما في إرشاد العقل السليم أن كل واحدة من الاداتين موضوعة لتحقيق