اليها السهو والتحريف وذلك شئ أخر غير زوال الخوف وانت تعلم أن كثيرا من المفسرين ذهبوا إلى أن شرح الصدر هنا عبارة عن توسيعه وهو عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبى مما يرد من المشاق في طريق التبليغ وتلقى ذلك بحميل الصبر وحسن الثبات .
وأجيب على هذا بأنه لا منافاة بين الخوف من شئ والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع إلا ترى كثيرا من الماملين يخافون من البلاء ويسألون الله تعالى الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه وقيل : أنهما عليهما السلام لم يخافا من العقوبة إلا لقطعها الأداء المرجو به الهداية فخوفهما في الحقيقة ليس إلا من القطع وعدم اتمام التبليغ ولم يسأل موسى عليه السلام شرح الصدر لتحمل ذلك واستشكل بأن موسى عليه السلام كان قد سأل واوتى تيسير أمره بتوفيق الأسباب ورفع الموانع فكيف يخاف قطع الأداء بالعقوبة وأجيب : بأن هذا تنصيص على طلب رفع المانع الخاص بعد طلب رفع المانع العام وطلب للتنصيص على رفعه لمزيد الأهتمام بذلك وقيل : أن في الآية تغليبا منه لاخيه هرون على نفسه عليهما السلام ولم يتقدم ما يدل على امنه عليه فتامل واستشكل أيضا عدم الذهاب والتعلل بالخوف مع تكرر الأمر بأنه يدل على المعصية وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام على الصحيح .
واجاب الأمام بأن الدلالة مسلمة لو دل الأمر على الفور وليس فليس ثم قال : وهذا من اقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضى الفور إذا ضممت اليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام و او في قوله تعالى او أن يطغى .
45 .
- لمنع الخلو والمراد أو أن يزداد طغيانا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغى لكمال جراءته وقساوته واطلاقه من حسن الأدب وفيه استنزال لرحمته تعالى واظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لاظهار كمال الاعتناء بالأمر والأشعار بتحقق الخوف من كل من المتعاطفين .
قال استئناف كما مر ولعل اسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للاشعار بأنتقال الكلام من مساق إلى مساق أخر فان ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السلام بخلاف ما سياتى أن شاء الله تعالى قلنا لا تخف انك انت الاعلى فان ما قبله أيضا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنه قيل : فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما اليه سبحانه فقيل : قال أي لهما لا تخافا مما ذكرتما .
وقوله تعالى : اننى معكما تعليل لموجب النهى ومزيد تسلية لهما والمراد بمعيته سبحانه كمال الحفظ والنصرة كما يقال : الله تعالى معك على سبيل الدعاء واكد ذلك بقوله تعالى : اسمع وارى .
46 .
- وهو بتقدير المفعول أي ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير .
وقال القفال : يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عينا اننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فاجابهم سبحانه بقوله : اننى معكما اسمع أي كلامكما فاسخره للاستماع وارى افعاله فلا اتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضا لكنه كما ترى وقال الزمخشرى : جائزان لا يقدر شئ وكانه قيل : انا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ وهو يدل على أنه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدى منزلة اللازم لأنه اريد تتميم ما يستقل به الحفظ