والأستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبين تحتم أنه يموت على الكفر مما لاريب فيه جوازه كما أنه لاريب في عدم جوازه عند تبين ذلك لما فيه من طلب المحال فانما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه محال وقوعه ولهذا لما تبين له عليه السلام في الوحي على احد القولين المذكورين في سورة التوبة أنه لا يؤمن تركه اشد الترك فالوعد والأنجاز كانا قبل التبين وبذلك فارقا استغفاره عليه السلام لأبيه استغفار المؤمنين لأولى قرابتهم من المشركين لأنه كان بعد التبين ولذا لم يؤذنوا بالتاسي به عليه السلام بالأستغفار قال العلامه الطيبى : أنه تعالى بين للمؤمنين أن أولئك اعداء الله تعالى بقوله سبحانه لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقونه اليهم بالموده وان لا مجال لاظهار المودة بوجه ما ثم بالغ جل شأنه في تفصيل عدواتهم بقوله D : إن يثقفوكم يكونوا لكم اعداء ويبسطوا اليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ثم حرضهم تعالى على قطيعة الأرحام بقوله سبحانه لن تنفعكم ارحامكم ولا اولادكم يوم القيامة ثم سلاهم D بالتأسى في القطيعة بابراهيم عليه السلام وقومه بقوله تبارك وتعالى : قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم إلى قوله تعالى شأنه إلا قول ابراهيم لأبيه لأستغفرن لك فاستثنى من المذكور ما لم يحتمله المقام كما احتمله ذلك المقام للنص القاطع يعنى لكم التأسى بابراهيم عليه السلام مع هؤلاء الكفار في القطيعة والهجران لا غير فلا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة والرحمة كما ابدى ابراهيم عليه السلام لأبيه في قوله سأستغفر لك لأنه لم يتبين له حينئذ أنه لا يؤمن كما بدا لكم كفر هؤلاء وعدواتهم انتهى .
واعترض بأن ما ذكر ظاهر في أن الأستغفار الذي وقع من المؤمنين لأولى قرابتهم فنهوا عنه لأنه كان بعد التبين كان كاستغفار ابراهيم عليه السلام بمعنى طلب التوفيق للتوبة والهداية للايمان والذي اعتمده الكثير من العلماء أن قوله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية في استغفاره صلى الله عليه وسلّم لعمه ابي طالب بعد موته وذلك الأستغفار مما لا يكون بمعنى طلب الهداية اصلا وكيف تعقل الهداية بعد الموت بل لو فرض أن استغفاره E له كان قبل الموت لا يتصور أيضا أن يكون بهذا المعنى لأن الآية تقتضي أنه كان بعد تبين أنه من اصحاب الجحيم وإذا فسر بتحتم الموت على الكفر كان ذلك دعاء بالهداية إلى الأيمان مع العلم بتحتم الموت على الكفر ومحاليته إذا كانت معلومة لنا بما مر فهي اظهر شئ عنده صلى الله تعالى عليه وسلم بل وعند المقتبسين من مشكاته E وهو اعتراض قوى بحسب الظاهر وعليه يجب أن يكون استغفار ابراهيم عليه السلام لابيه بذلك المعنى في حياته لعدم تصور ذلك بعد الموت وهو ظاهر .
وقد قال الزمخشري في جواب السؤال بأنه كيف جاز له عليه السلام أن يستغفر للكافر وان يعده ذلك قالوا : اراد اشتراط التوبة عن الكفر وقالوا آمنا استغفر له بقوله : واغفر لابي لأنه وعده أن يؤمن واستشهدوا بقوله تعالى وما كان استغفار ابراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها اياه ثم قال : ولقائل أن يقول : الذي منع من الأستغفار للكافر انما هو السميع فاما قضية العقل فلا تأباه فيجوز أن يكون الوعد بالأستغفار والوفاء به قبل ورود السمع ويدل على صحته أنه استثنى قول ابراهيم عليه السلام لأستغفرن لك في آية قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم الخ عما وجبت فيه الأسوة ولو كان بشرط الأيمان والتوبة لما صح الأستثناء وأما كون الوعد من ابيه فيخالف الظاهر الذي يشهد له قراءة الحسن وغيره وعدها اباه بالباء الموحدة قال في الكشف :