ما يشاء بقول كن فيكون فقالت : ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى فعند ذلك زال ما يجده وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضعف عليها بسبب الحمل وضيق القلب فلما دنا نفاسها أوحى الله تعالى إليها أن اخرجي من أرض قومك لئلا يقتلوا ولدك فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له فلما بلغت تلك البلاد أدركها النفاس فكان ما قص سبحانه وقيل : انتبذت أقصى الدار وهو الأنسب بقصر مدة الحمل فأجاءها المخاض أي ألجأها كما قال الزمخشري وجماعة وفي الصحاح أجأته إلى كذا بمعنى الجأته واضطررته إليه قال زهير بن أبي سلمى : وجار سار معتمدا عليكم أجاءته المخافة والرجاء قال الفراء : أصله من جئت وقد جعلته العرب الجاء وفي المثل شر ما يجيئك إلى مخة عرقوب انتهى واختار أبو حيان أن المعنى جاء بها واعترض على الزمخشري وأطال الكلام بما لا يخفى رده و المخاض بفتح الميم كما في قراءة الأكثرين وبكسرها كما في رواية عن ابن كثير مصدر مخضت المرأة بفتح الخاء وكسرها إذا أخذها الطلق وتحرك الولد في بطنها للخروج وقرأ الأعمش وطلحة فاجاءها بإمالة فتحة الجيم وقرأ حماد بن سلمة عن عاصم فاجأها من المفاجأة وروي ذلك عن مجاهد ونقله ابن عطية عن شبيل بن عزرة أيضا وقال صاحب اللوامح : إن قراءته تحتمل أن تكون الهمزة فيها قد قلبت ألفا ويحتمل أن تكون بين بين غير مقلوبة .
إلى جذع النخلة لتستند إليه عند الولادة كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي أو لذلك ولتستر به كما قيل والجذع ما بين العرق ومتشعب الأغصان من الشجرة وقد يقال للغصن أيضا : جذع والنخلة معروفة والتعريف إما للجنس فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وإن لم يعلمها المخاطب بالقرآن E كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود وقد يقال : إنها معينة له بأن يكون الله تعالى أراها له E ليلة المعراج وزعم بعضهم أنها موجودة إلى اليوم والظاهر أنها كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها وهو الذي تدل عليه الآثار فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها عليها السلام لما اشتد عليها الطلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف .
وقيل : إن الله تعالى خلقها لها يومئذ وليس بذاك وكان الوقت شتاء ولعل الله تعالى أرشدها إليها ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته ما يسكن روعتها كأثمارها بدون رأس وفي وقت الشتاء الذي لم يعهد ذلك فيه ومن غير لقاح كما هو المعتاد وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن أصلها ثابت وفرعها في السماء وإلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلواء وأنه عليه السلام سيحيي الأموات كما أحيى الله تعالى بسببه الموات مع ما في ذلك من اللطف بجعل ثمرتها خرسة لها والجار والمجرور متعلق بأجاءها وعلى القراءة الأخرى متعلق بمحذوف وقع حالا أي مستندة إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت بكسر الميم من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت كجاء يجيء